حين انتشرت الشائعات بين المسلمين أن محمدًا قد مات، رفض الكثيرون أن يصدقوا الخبر. خرج عمر بن الخطاب، أحد صحابة محمد البارزين، وشخصية حاسمة في التاريخ الإسلامي، خرج إلى المسجد الجامع، مكان التقاء المسلمين، وهدَّد بقطع رأس كل من يقول بموت بمحمد. تأكَّد الخبر فقط حين أعلنه أبو بكر الصديق، رفيق محمد الأول، ووالد زوجته الحبيبة عائشة، والرجل الذي سيخلفه في قيادة المجتمع الإسلامي.

قال أبو بكر: «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات. ومن كان يعبد الله فإنه حيٌ لا يموت.»

توفي محمد في عام 632 في المدينة المنورة، غربي الحجاز. كانت وفاته الخطوة الأولى في تحويل دعوة الدين الجديد التي انتشرت في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، إلى دولة ستهيمن، في المائة وخمسين عامًا التي تَلَت وفاة محمد، على منطقة تمتد من الصين إلى إسبانيا.

يُنسب الفضل في إقامة الدولة – عادةً – إلى النبي محمد، لكن هذا غير دقيق. لقد أرسى محمد دعائم كيان سياسي قائم في المدينة، الواحة التي كان قد هاجر إليها من منزله في مكة قبل عشر سنوات من وفاته، والتي تطورت ببطء لتصبح عاصمة نفوذه. لقد كانت لديه أيضًا مهمة واضحة: نشر الدين الجديد بين القبائل العربية.

أقام محمد ما يرى الكثيرون أنه بمثابة دستور كامل: القرآن الكريم، الذي يؤمن المسلمون أنَّه كلام الله الذي أُوحي، حرفيًا، إلى محمد دون تبديل. والأهم من ذلك أن محمدًا طرح إطارًا مرجعيًا جديدًا: دين توحيدي، يتبع التقاليد الراسخة للديانات التي تُنسب إلى إبراهيم، وموسى، ويسوع.

لكن المجتمع الذي قاده محمد حتى وفاته لم يكُن دولةً بالمعنى المعروف. كان الكيان السياسي الذي أقامه يفتقر إلى مؤسسات الحكم الرسمية؛ لم تكن هناك آليات مستمرة لتوليد القواعد والقوانين، ناهيك عن بنية واضحة لإنفاذها. كان المجتمع يفتقر إلى أي هيكل إداري؛ فلم تكن ثمَّة مصادر للدخل يمكن للمجتمع أن يعتمد بشكل موثوق عليها. ولم يكُن ثمَّة نظام سياسي أقرَّه محمد يمكن للمسلمين أن يعتمدوا عليه بعد ذلك، وهو أمرٌ كان من شأنه أن يؤرِّق العالم الإسلامي لعدة قرون.

ساهم عاملٌ واحدٌ في تأمين انتقال المجتمع بعد وفاة النبي محمد. قبل بضعة أشهر من وفاته، قرأ محمد الآيات الأخيرة من القرآن، التي أعلنت بشكل حاسم: «اليوم أكملت لكم دينكم». انقطع الوحي؛ لا مزيد من آيات القرآن، ولا أوامر إلهية جديدة. بالنسبة إلى البعض، كان هذا يعني أن محمدًا قد أتمَّ رسالته بعد ثلاثة وعشرين عامًا من الدعوة: «خاتم النبيين يتمم دين الله.»

لهذا فإن «خطبة الوداع» هي التسمية التي يطلقها معظم المسلمين على خطبته الأخيرة التي ألقاها في رحلته الوحيدة إلى مكة لأداء الحج، قبل وفاته بأشهر قليلة.

اكتمال الدين هذا كان ميزة فريدة من نوعها للإسلام، ميزةً لعبت دورًا كبيرًا في التاريخ العربي والإسلامي. على عكس اليهودية أو المسيحية، لم يكُن الإسلام، بعد وفاة محمد، بحاجة إلى تطوير، أو إصلاح، أو توسيع. لم تكُن ثمَّة حاجة إلى «بولس الرسول» يُحدد قواعد الدين أو يجعله أكثر تطوُّرًا. من الناحية السياسية، كان معنى هذا هو أنَّه لا مكان لأي لاعب سياسي يدَّعي استحقاق خلافة محمد بأمر إلهي، أو بادعاء أنه يستكمل «الرسالة».

رفض الإسلام لفكرة «الكهنوت» كان عقبةً أمام أي طامحٍ للسُلطة في استخدام الدين لشرعنة قيادته للدولة. من بين الآلاف من الذين آمنوا بمحمد، كان «الملأ» أو كبار القوم مجموعة لا تتعدَّى العشرات من الصحابة، معظمهم من أصحاب السبق إلى الإسلام، الذين عانوا من الملاحقة في مكة، وكانوا نواة المجتمع الذي احتضن محمدًا في المدينة. لكن غياب أيَّة مؤسسة دينية، أو قواعد لتنظيم الدين بعد وفاة محمد منعت أيًا من أولئك الصحابة – ناهيك عن أي شخصٍ غيرهم – من فرض زعامته للمجتمع الإسلامي استنادًا إلى أيَّة قاعدة مقبولة.

استلزم عدم وجود خليفة واضح بعد وفاة محمد عملية مضمونة تقنع الفصائل الأكثر تأثيرا في المجتمع الإسلامي آنذاك. إلى حد كبير، كانت السياسة من أسفل إلى أعلى، في شكل قَبَلي، هي السبيل لاختيار خليفة محمد، لا عن طريق فرض فصيل لإرادته بالقوة.

لكن هذا مثَّل تحديًا؛ فقد جاءت وفاة محمد في أعقاب تحقيقه انتصارين مهمين: فتح مكة، بلدته التي هاجر منها قبل عَقد من وفاته، وتوحيد شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام. كانت مكة مركزًا للهجرة العربية ومركزًا تجاريًا رئيسًا في شبه الجزيرة؛ لذا فإن فتحها كان يعني إضعاف تأثير عائلاتها التجارية الكبرى، الذين كانوا يمثِّلون أغنى أغنياء العرب. وبصعود الإسلام كإطارٍ اجتماعي وسياسي وحيدٍ، كان أصحاب محمد الأوائل هم زعماء المجتمع الجديد، وكان على أبناء العائلات التجارية الثرية في مكة أن يواجهوا النظام الجديد.

في العامين اللذين فصلا بين فتح مكة ووفاة محمد، كان قادة وأبناء العائلات الكبرى في مكة لا يتورَّعون عن الإشادة بمحمد والخضوع لحكمه، الذي كان وفقًا للإسلام، خضوعًا لمشيئة الله. هذا الفهم هدأَّ من غرورهم؛ وحمى هيبتهم. لكن وفاة النبي كانت تعني أنَّه سيتوجَّب على المسلمون الجدد من أبناء العائلات التجارية الثرية، الذين كانوا يمثِّلون الطبقة الأرستقراطية في مكة، الخضوع إلى سُلطة أصحاب محمد الأوائل، الذين كانوا أقل ثروة منهم وأدنى نَسَبًا.

وفي هذا الصدد، أحدثت وفاة محمد تحوُّلاً في الاقتصاد السياسي لشبه الجزيرة العربية؛ فقد أضعفت الأرستقراطية القديمة في المنطقة، وسمحت لنخبة جديدة بالظهور، نخبة لا تستند إلى الثروة، أو نفوذها في تجارة القوافل المزدهرة، بل على درجة قُربهم من محمد.

قبل الإسلام، كان لدى القبائل المختلفة في شبه الجزيرة شعورٌ بالانتماء إلى ثقافة مشتركة، تستند، في المقام الأول، إلى اللغة العربية، والشعر العربي بخاصةٍ، الذي كان نوع الفن المُميِز للعرب. غيَّر الإسلام ذلك؛ فقد أصبح الدين الجديد الإطار الشامل الذي وحَّد العرب.

لك يكُن التغيير ناتجًا عن دين جديد – بقواعده، ونواهيه، وطقوسه – قد حلَّ ببساطةٍ محل ثقافة ونوعٍ من أنواع الفن. لقد أحدث الإسلام تغييرًا ثوريًا في رؤية العرب لأنفسهم. يمكننا القول إن تجربةً طويلة ومُرهقة قد شكَّلت العقل العربي الإسلامي مع سطوع نجم الإسلام بسيطرته على شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الحروب الكثيرة التي خاضها المجتمع الإسلامي الأول لسحق الخصوم، وتوسيع رقعته الجغرافية. كانت تجربةً تنطوي على نضال، ومعاناة، ونمو. خاض المجتمع الإسلامي من الصعوبات، والانتصارات، والهزائم، والآلام، وكذلك الكثير من لحظات البهجة، ما أوصل المجتمع العربي إلى مرحلة النضج.

من أصل ثلاثة وعشرين عامًا قضاها محمد في «الدعوة»، نهض العرب بشعورٍ مشحوذٍ بهويتهم، خاصةً بعد توحيد شبه الجزيرة في ظل الإسلام. كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ العربي كله التي تجتمع قبائل شبه الجزيرة معًا تحت مظلة مشتركة؛ فتتشارك إطارًا مرجعيًا حقيقيًا، صلبًا، قويًا، وفقًا لعقيدة أقَّروا بأن الذي فرضها هو الله. لم تُغيِّر هذه الهوية الناشئة رؤية العرب لأنفسهم وحسب، بل غيَّرت أيضًا وجهة نظرهم إلى «الآخر»؛ فقد أصبحوا الآن «شعب الله المختار»، الذي ينظر إلى «الآخر» باعتباره إما في حاجة إلى الخلاص الذي يجلبه الإسلام، أو باعتباره كافرًا.

تنطوي هذه النظرة على تغيير كبير في التركيبة النفسية العربية؛ فلعدة قرون، كان تفاعل العرب مع جيرانهم الروم والفُرس، بثرائهم الفاحشٍ وتراثهم الثقافي الأغنى من العرب، يقتصر على السعي إلى الوصول إلى أسواق هؤلاء الجيران. وعبر هذه التفاعلات، استقدمت القبائل العربية البدوية التجارية مقتطفات من فنون وثقافة هؤلاء الجيران. وفي كل هذه التفاعلات، كان العرب دائمًا أصحاب اليد السفلى، لاعبين مبتدئين، المستورِدين، وأحيانًا، تابعين يخضعون إلى أوامر السيد الأجنبي (مثلاً في حالة مملكة الغساسنة العربية الصغيرة في شرق البحر المتوسط، التي تطوَّرت لتصبح تابعة للإمبراطورية البيزنطية). أدَّت الهوية الجديدة التي أنشأها الإسلام إلى تغير ذلك؛ فقد أثارت هذه الهوية ثقةً هائلةً أقنعت أطيافًا مختلفة من العرب بأنهم متساوون مع جيرانهم، إن لم يكونوا أفضل منهم؛ فهم الأمة التي اختارها الله، وشعب «النبي الخاتم».

أطلق توحيد العرب العنان لمُهمة تُحددها هويتهم؛ فقد أوضح محمد أن رسالته كانت للعالم كله، للإنسانية جمعاء، وليس فقط للعرب. كان الحافز الذي دفع العرب إلى محاولة نشر دينهم بين جيرانهم هو أملٌ في مجتمع عربي متماسك، يرتكز على شبه جزيرة عربية موحدة، أملٌ أطلقه الاعتقاد بأن العرب هم «خير أمة أُخرجت للناس» (كما يصف القرآن المسلمين)، تتمثل مهمته في نشر «كلمة الله» في العالم. كان ذلك يعني مواجهة الإمبراطوريات الفارسية والبيزنطية التي حكمت العالم القديم لعدة قرون. فجأة، برز العرب باعتبارهم «أمة» عازمة على نشر الدين الجديد بين جيرانها، ثم تغيير النظام العالمي المُهيمن، بعد أن كانوا مجموعة من البدو الرُحل، والقبائل التجارية المُتفرقة في صحراء شبه الجزيرة البعيدة، من وجهة نظر الفُرس والروم.

كانت الرسالة التي حملها العرب معهم بالكاد تقتصر على كونها دينًا جديدًا؛ فقد كان تراث محمد ينطوي على رؤية اجتماعية. تشرَّبت الأمم المجاورة رسالة العرب بعد تهميش دور الطبقة الأرستقراطية القديمة في شبه الجزيرة من العائلات التجارية، وبروز طبقة جديدة من القادة تشمل مختلف الطبقات الاجتماعية والخلفيات الاقتصادية، بالإضافة إلى التركيز الإسلام على المساواة الاجتماعية. انتشرت الرسالة بقوة مُلهمة أثبتت نجاحها في سعي العرب للسيطرة على العراق، وبلاد فارس، وشرق المتوسط، ومصر، تلك البلاد التي كانت تعاني الاستغلال الاقتصادي، وتركيز السلطة السياسية والاقتصادية في يد النخبة. قدَّم العرب المسلمين أنفسهم على أنهم حاملو «دعوة الله»، وكذلك إرهاصات العدالة الاجتماعية.

حمل العرب معهم أيضًا نظرةً مثالية للمجتمع الإسلامي الأول الذي أقاموه؛ فكما توحَّد العرب تحت راية الإسلام، أكَّدت السردية الناشئة من هذا المجتمع الجديد على الدعم الأخوي، والرحمة، وإنكار الذات. تم تكريس هذه السردية عبر عشرات الحكايات عن هذا المجتمع الأول، وعبر ما غرسه المسلمون في نفوس معتنقي الإسلام الجُدد.

كانت الحروب المختلفة، والدموية جدًا أحيانًا، التي خاضها هذا المجتمع، ضد المكيين في البداية، وبعدها ضد مختلف القبائل والطوائف الدينية الأخرى، تُقدَّم بشكل هامشي في هذه الروايات، أو تُصاغ وكأنهَّا صراعٌ للدفاع عن النفس فقط. كانت السردية الناشئة تؤكد على قيَم الشفقة والرحمة، وخفَّفت من ذِكر العنف وفرض النفوذ.

أصبحت شخصية محمد جزءًا لا يتجزأ من هذه السردية التي تمحورت حول الجوانب المُلهمة والمؤثرة في حياة محمد: صموده في مواجهة وحشية زعماء مكة، وتواضعه، وتعامُله الرقيق مع زوجاته، والأطفال، والأحفاد، وتأكيده المتكرر بأنه ليس سوى «رجل منكم»، وحبه للحياة (على سبيل المثال تأكيده على حب النساء والعطور)، بينما ذهب محمد المُقاتل إلى الهامش. أبرز هذا الأمر الرسالة الإنسانية التي حملها المبشرون العرب والجيوش العربية، وأعطاهم قدرةً قويةً على «التآلف» مع الشعوب المقهورة، آنذاك، في بلاد فارس، والعراق، وشرق المتوسط، ومصر.

لقد سجَّل التاريخ تفاصيل حياة محمد، بمستوى عالٍ نسبيًا من التفصيل، حتى مع أن سيرة حياته الأولى التي وصلتنا كاملة قد كُتبت بعد قرنٍ تقريبًا من وفاته؛ وهذا يعني أن السردية الإسلامية قد تمكَّنت من الاستفادة من العديد من تفاصيل حياة محمد لإبراز رسالة الإسلام في الأراضي التي كان ينتشر فيها.

بعد وفاة محمد، اتخذت الرسالة طابعًا عالميًا. في العقد الأخير من حياته، أصبحت المدينة – التي لعبت دور «عاصمة» محمد – نقطة جذب لكافة المسلمين ومن تحمَّسوا لرسالة الإسلام. وبحلول عام الأخير من حياته، وخاصةً بعد سقوط مكة واعتناق كبرى القبائل العربية للإسلام، أصبحت المدينة مركز الثقل السياسي في شبه الجزيرة العربية بأكملها. الصحابة، والأتباع، والمؤمنين المتحمسين، والطامحين، والمغامرين الطامحين – كلٌ منهم يريد أن يكون قريبًا من محمد.

لكن وفاته غيَّرت ذلك؛ فقد كان وجود محمد هو ما يجذب كل هؤلاء للبقاء في المدينة. وفي غضون أقل من ثلاثة عقود، هاجرت الغالبية العظمى من الشخصيات البارزة التي أحاطت بمحمد إلى العراق، وشرق المتوسط، ومصر؛ فأصبحوا حُكامًا للأراضي المنضمة حديثًا تحت حكم المسلمين، ومُعلمين للمسلمين الجدد، ورؤساء للأسواق التجارية، أو حتى متقاعدين بارزين جعلهم قُربهم من محمد نجومًا في المجتمعات التي استقروا فيها.

كان الإسلام قد وحَّد القبائل العربية التي كانت مبعثرة في أنحاء شبه الجزيرة، لكن موت محمد شتَّتهم مرة أخرى. ولكن كان هناك فرق كبير بين تشتت العرب قبل الإسلام وبعد وفاة محمد. في الأخير، كانت ميزتهم الأهم ليس فقط أنهم كانوا يحملون رسالة الله إلى جيرانهم، وأنهم كانوا – على الأقل – مساوون لتلك الدول المجاورة، بل كان لديهم أيضًا «مرساة جغرافية»: المدينة، ومكة، والمنطقة المحيطة بهما: الأراضي التي انطلقوا منها لنشر «الرسالة». المكانة العظيمة التي صبغها الإسلام على مكة والمدينة حوَّلت المدينتين، ومنطقة الحجاز بكاملها، إلى مَجمَع قلوب العرب. ورغم أن مدنًا أخرى قد أصبحت العواصم السياسية والاجتماعية والثقافية للإمبراطورية الإسلامية في القرون التالية، إلا أن الحجاز – وخاصة المدينة – احتفظت بمكانتها النفسية لدى المسلمين باعتبارها «مدينة الرسول»، واحة روحانيه في وسط الصحراء، والمكان الذي لجأ إليه المسلمون الأوائل هربًا من الاضطهاد في مكة، والذي شهد لحظات حاسمة في حياة محمد.

تشتُّت المجتمع الإسلامي في جميع أنحاء الأراضي المنضمة حديثًا تحت الحكم الإسلامي، ومن بعده التوسع الجغرافي المضطرد للدولة الإسلامية، خلق نظامًا يسمح للعرب في القرن السابع والثامن بالذهاب والإياب المستمر بين شبه الجزيرة العربية والأراضي المجاورة التي غزوها. بدأت الروابط السياسية، والاقتصادية، والمالية، والثقافية، والاجتماعية تتوثَّق آنذاك بين المراكز المختلفة للإمبراطورية المترامية الأطراف وبين مكة والمدينة. أثارت هذه التفاعلات زيادة هائلة في الانتقال بين المراكز المختلفة لهذه الإمبراطورية. بدأت التقاليد، التراث، والمعايير الاجتماعية، واللهجات، في الامتزاج. انتعشت التجارة داخل الأراضي الإسلامية. وفي غضون بضعة قرون، أنشأ نظام الذهاب والإياب بين الحجاز وبقية دول الشرق الأوسط، والصلات الاجتماعية والثقافية التي ولَّدها، قواسم مشتركة قوية راسخة، وروابط قوية بين شبه الجزيرة العربية، والعراق، وشرق البحر المتوسط، ومصر.

وهكذا تشكَّلت أول صورة للعالم العربي.