في ٢٠١٧ ، أحد التقارير المنشورة لوكالة المخابرات المركزية الامريكية تخيل خبر صحفي خلال عدد قليل من السنوات ، عن مظاهرات في لندن للعاملين في القطاعات الاقتصادية غير المنظمة – من يُعرفون بالgig workers . مثل سائقي التاكسيات من خلال شركات تكنولوجيا ، و غيرها من تلك الخدمات التي ظهرت في العقد الماضي و توسعت و انتشرت بشكل سريع و واسع في تقريبًا كل العالم .

الخبر المُتخَيل تحدث عن خلافات بين الشركات العملاقة التي تقدم تلك الخدمات و بين العاملين في تلك القطاعات ، سببها عدم التوازن بين أرباح الشركات و ما يحصل عليه العاملين ، و عدم وجود أي فؤائد او تأمينات للعاملين و عدم الأمان الاقتصادي المترتب على كل ذلك .

الخبر المُتخيل لم يتحول الى حقيقة بعد . لكن بالفعل هناك خلافات وصلت الى المحاكم – في لندن – بين عدد من تلك الشركات و العاملين في ال gig economy . الذين يطالبون بقدر من الحقوق ، بينما الشركات ترفض من منطلق ان هؤلاء (مثلًا سائقي التاكسي) ليسوا عاملين في الشركة ، و لكنهم متعاقدين معها .

تقرير المخابرات الامريكية لم يكن بعيد النظر بشكل خاص . ذلك ان عدد من المراقبين تصور ان العلاقات الاقتصادية في تلك القطاعات ، مع ازدياد أهميتها في اغلب اسواق العالم ، مؤدي بالضرورة الى مشاكل اجتماعية .

المشكلة تكمن في ثلاثة نقاط . الأولى ، ان الغالبية الساحقة من الوظائف التي تُخلق في أغلب اقتصاديات العالم الآن من ذلك النوع القائم على gig economy ، حيث ، بالفعل ، ليس هناك أي آمان اجتماعي . المشكلة الثانية ، ان هذه الوظائف لا تؤدي الى أي ترقي اجتماعي ، و بالطبع ليست طرق لتحصيل أي ثروة . و ثالثًا ، هذه الوظائف لا تتيح تعلم مهارات جديدة .

تلك النقاط مجتمعة مشكلة كبيرة ، و ستزداد كبرًا ، لأن نوعية ال gig economy في توسع من قطاع الى أخر ، و ذلك توسع صعب ان يتراجع في ظل التيارات الحالية في الاقتصاد العالمي .

هناك بعض الأفكار التي تحاول تقديم حلول ، غالبًا في صورة اقتراحات لقوانين تضمن قدر من الحماية لهؤلاء الذين يجدون انفسهم بلا فرص عمل باستثناء تلك في ال gig economy . هناك ايضًا اقتراحات بانواع جديدة من الضرائب عابرة للحدود ، تُدفع لمجموعات كاملة من الدول ، و تلك تنويعات على فكرة إيجاد قدر من العدالة لتحجيم أرباح تلك الشركات الحاكمة في ال gig economy .

لكن تلك الأفكار حتى الآن ليست اكثر من ذلك ، مجرد افكار . و الغالب انها ، لاسباب مختلفة ، لن توضع محل أي تنفيذ جاد ، على الاقل في المستقبل المنظور .

المشكلة إذن باقية . لكن الجانب الأخطر فيها قائم على شيئين. واحد: ان في عمق توسع ال gig economy ترسيخ لنوع من الاقتصاد يقوم ليس فقط على وضع من عدم توازن حاد بين الشركات العملاقة (و هي قليلة العدد جدًا) و مجموعات كبرى و متزايدة من العاملين – لكن مع ذلك ، و بناء عليه ، هناك ترسيخ لدرجات خطيرة من عدم العدالة الاقتصادية .

فكرة العدالة الاقتصادية - و ما وراءها ، العدالة الاجتماعية - أصبحت يتيمة ، لأنه ليس هناك اقتصاد واحد ذو مكانة او أهمية في العالم (خارج اسكندنافيا) قائم على تلك الفكرة . و عليه ، ليس هناك أُطر سياسية تقدم قوانين او اتجاهات في الآقتصاد السياسي تحاول حل تلك المشكلة من العمق .

اثنين : ما دام هناك توسع رهيب و سريع في تطور تكنولوجيات مثل الذكاء الصناعي و الكمبيوتر الquantum ، فإن ذلك مؤدي بالضرورة الى توسع في الgig economy . أي ان المشكلة في ازدياد طبيعي يفرضه المفهوم العام للتقدم .

لذلك فإن تقرير المخابرات الأميركية في ٢٠١٧ ، قدم صورة عن نتيجة محتملة جدًا لتوسع الgig economy ، لكنه لم يقدم حلول او تصورات لحلول . ذلك ان الحلول غالبًا لن تأتي من قوانين او تقييدات في الاقتصاد السياسي ، و لكن من هزات اجتماعية كبيرة لن تفرق بين مجتمعات كانت حتى الأمس شديدة الثراء و أخرى تُسمى ادبا ذات أسواق ناشئة .