بيرني ساندرز جاء الأول في انتخابات نيوهامشير التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ل٢٠٢٠. نيوهامشير ليست نهاية المطاف. هناك عدد من الانتخابات التمهيدية، بعضها في ولايات أهم من نيوهامشير من ناحية الوزن الانتخابي. لكن اعتلاء بيرني ساندرز قمة الهرم داخل الحزب الديمقراطي دعا عدد من المراقبين لمقارنته بجيريمي كوربن، رئيس حزب العمال البريطاني، الخاسر، بشدة، في الانتخابات البريطانية في ديسمبر ٢٠١٩ … و تصوري أن المقارنة خاطئة لعدد من الأسباب.

واحد: كوربن جاء لرئاسة حزب العمال بالرغم من معارضة كبرى داخل قيادة الحزب و داخل أهم دوائره السياسية، و قد كان مجيئه بدعم غير مسبوق و عالي الصوت من مجموعات شابة و ممثلة لمهاجرين و بعضها كان قريبا من حركات إسلامية في بريطانيا. و قد أدى وصوله لزعامة حزب العمال الى شروخات كبرى داخل الحزب أدت الى انشقاق عدد من نجوم الحزب كما أدت الى ابتعاد أهم شيوخ الحزب، مثل طوني بلير و جوردون براون، رئيسا الوزراء السابقين. على العكس، بيرني ساندرز، الآن، قريب من مجموعات من أهم قيادات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، و بعضها أبدى اقتناعه أن ساندرز، و ليس أي مرشح أخر، هو القادر على هزيمة دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة. هذا التقارب بين ساندرز و عدد من المجموعات المؤثرة داخل الحزب سيمنع أي انشقاقات او اختلافات من النوع الذي حدث في حزب العمال.

اثنين: جيريمي كوربن أبدى آراء، و كان لديه سجل طويل من العلاقات الدولية، التي رأتها المؤسسات العسكرية و الأمنية البريطانية على نقيض من تصوراتها هي للأمن القومي البريطاني. و اذا كانت الديمقراطية البريطانية لا تسمح بأي حال من الأحوال بتدخل هذه المؤسسات في السياسة، فإنه، و بالرغم من ذلك، امتعاض هذه المؤسسات ذات الوزن و الإحترام في المجتمع، دعا كثيرون الى رؤية كوربن كخطر على الدولة، أو على الأقل، كرئيس وزراء محتمل غير مؤهل للتعامل مع الملفات الاستراتيجية. الحال مختلف مع بيرني ساندرز. الرجل له آراء واضحة الإختلاف مع عدد من اللوبيات السياسية في واشنطن. لكن آراءه حول أهم ملفات القوة الأمريكية و تواجدها في العالم ليست مناقضة لتلك لعدد من المجموعات المهمة داخل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). لذلك، سيكون صعبا على الحزب الجمهوري تصوير ساندرز على أنه أخطر على المصالح الأمريكية من دونالد ترامب.

ثلاثة: جيريمي كوربن جاء لزعامة حزب العمال بدعم مجموعات ذات وزن عددي داخل حزب العمال البريطاني، و لكنها ليست ذات وزن انتخابي في بريطانيا، و خاصة إنجلترا. و قد جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية في ديسمبر ٢٠١٩ لتؤكد ذلك. لكن بيرني ساندرز يحمل معه تأييد عدد من الولايات الشمالية في الولايات المتحدة، و قد بدا هذا واضحا في نيوهامشير و بالطبع في ولايته: فيرمونت، و الغالب ان معه أيضاً تأييد ولاية واشنطن (في الشمال الغربي)، كما أن إيلينوي في الشمال (و فيها مدينة شيكاجو الكبرى) مركز دعم للحزب الديمقراطي.

أربعة: هناك تصور ان ساندرز لن يحصل على الدعم النهائي للحزب الديمقراطي لأن هناك مرشح قادم في الأشهر القادمة: الميلياردير مايك بلومبرج. لكن تصوري أن بلومبرج لن ينجح في إزاحة ساندرز، لأسباب عديدة، أهمها أنه سيأتي للديمقراطيين بتاريخ من التعاطف و القرب من الجمهوريين، و قد كان، حتى سنوات قليلة، عمدة نيويورك، ممثلا للحزب الجمهوري.

البعض يتصور ان انتخابات رئاسية بين ترامب و ساندرز ستكون كارثة على الولايات المتحدة، حيث مرشحان يمثلان أقصى اليمين و اليسار على قمة الحزبين الكبيرين في الدولة. تلك الصورة فيها بعض الحقيقة، لكن هناك أيضا تصور معقول يقول ان الغضب و الرفض، خاصة لدى قطاعات واسعة من الطبقات الوسطى و ما تحت الوسطى من الأمريكيين، و الذي أتى بدونالد ترامب الى البيت الأبيض، يستدعي أمامه مرشحا يمثل هذه القطاعات الواسعة و يعبر بصدق عن هذا الغضب. و على ذلك، فإن احتمالية بيرني ساندرز على الورقة الانتخابية، ممثلاً للديمقراطيين، وراءها ما يدعمها.