انتخابات بريطانيا الأسبوع الماضي أتت بستة مستجدات.

واحد – حكومة جديدة لحزب المحافظين لها أغلبية معقولة في البرلمان، و تلك هي المرة الأولى منذ نهايات الثمانينات لأغلبية كتلك للمحافظين بعد انتخابات عامة.

اثنين – تلك الحكومة جاءت بوعد محدد بإستكمال عملية خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بنهاية يناير.. و ستفعل. و حتى مع فهم ان هذا الخروج هو في الحقيقة بداية مفاوضات، ستكون طويلة و معقدة، حول قواعد التجارة بين بريطانيا و الاتحاد الأوروبي، فبالرغم من ذلك، فان الانتخابات جاءت بنتيجة واضحة سيترتب عليها حكومة أغلبية قادرة على إتخاذ قرارات و تمرير اتفاقات في البرلمان البريطاني، و هو ما لم يكن عليه الحال منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الاوروبي منذ ثلاث سنوات و نصف.

ثلاثة – ان بوريس جونسون، زعيم حزب المحافظين الذي جاء بذلك النصر الانتخابي الكبير، و المجموعة السياسية المحيطة به، بدأوا منذ أشهر في حوارات مع إدارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة حول اتفاقية تجارة بين البلدين، وصفها ترامب بعد ساعات من اعلان فوز المحافظين، بأنها غالبا ستكون أفضل من آي اتفاق تجاري أمريكي-أوروبي. و من المؤكد ان اتفاقية التجارة ستكون بداية لتقارب استراتيجي أكبر بين البلدين، خاصة و أن المجموعات الفاعلة في الشأن الاستراتيجي على الجانبين من الاطلنطي شديدة القرب في الفكر و التصورات.

أربعة – النتيجة المزرية لحزب العمال المعارض في هذه الانتخابات البريطانية سوف تنهي قيادة جيريمي كوربون للحزب. و سوف يكون لذلك تداعيات من صراعات و انقسامات داخل الحزب، غالبا ستكون لها أصداء في كل الحركة اليسارية في أوروبا. لكن المهم داخل بريطانيا الآن، أن الانقسام الاجتماعي حول الخروج من الاتحاد الأوروبي قد أدى بمجموعات كبيرة من الناخبين التقليديين للعمال للذهاب للمعسكر الفكري الأخر، و للتصويت للمحافظين. و في ذلك فرصة تاريخية للمحافظين لإحداث نقلة نوعية في السياسية البريطانية و محاولة ترسيخ هذا الوضع الجديد لهم كممثل لطبقات نسبياً فقيرة كانت، لعقود طويلة، العمود الفقري للسياسة العمالية في بريطانيا.

خمسة – نتيجة الانتخابات سوف تعيد فتح ملف إسكتلندا مرة أخرى. ذلك أن إسكتلندا التي صوتت بوضوح في هذه الانتخابات لحزبها القومي كانت قد صوتت، أيضا بوضوح في استفتاء ٢٠١٦، للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي. و معنى التصويتين ان هناك مجموعات كبرى في إسكتلندا لا تقبل الخيار الاستراتيجي الذي اتخذته إنجلترا بالخروج من الاتحاد الأوروبي و ان رفضهم لهذا الخيار يستدعي سؤالهم مرة جديدة حول ما اذا كانوا يريدون البقاء في المملكة المتحدة (و هي الهيكل القانوني لبريطانيا، و الذي تقوده إنجلترا بحكم الحجم الديمغرافي و القوة الاقتصادية و التقليد التاريخي). هذا سؤال كبير و صعب، ذلك ان اتحاد إنجلترا و إسكتلندا (منذ اكثر من ثلاثمائة عام) هو واحد من أهم أعمدة السياسة البريطانية، و أن احتمالية الانفصال تحمل في طياتها بركان من التعقيدات و المشاكل المحتملة، كما ان الانفصال سوف يشرخ الفكرة البريطانية نفسها و يجعلها بلا قيمة حقيقية في مواجهة فكرة إنجلترا (بهويتها التاريخية القوية و الممتدة لقرون عديدة).

هذه النقطة تأخذنا للمستجد السادس: سواء سيكون هناك أم لا استفتاء جديد (بعد استفتاء ٢٠١٤) حول وضع اسكتلندا، فان هذا الوضع السياسي الجديد بعد الانتخابات و ما هو آتي به، سوف يعيد اهميةً القومية (سواء الإنجليزية او الاسكتلندية او الإيرلندية او تلك لويلز) لسطح السياسة البريطانية. و هذا سيثير مشاكل و صراعات من نوع مختلف عن تلك التي ظهرت في السنوات الثلاثة الماضية. لذلك، أغلب الظن ان من يتصور أن السياسية البريطانية ستهدأ بعد حسم موضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي و بعد وصول حكومة أغلبية للسطح، مخطئ.