المغرب واحد من أهم دول الجوار لاوروبا .

في اجتماع حضره عدد قليل من المتابعين مع واحد من أهم أصحاب القرار في المفوضية الأوروبية ، سُئل عن المحاور الاستراتيجية للجوار الأوروبي ، فرد بالحديث عن الأوضاع في أوكرانيا (و المقصود انها خط التماس الأهم مع روسيا) ، ثم تحدث عن تركيا (و هي منذ قرون الجار الطالب و المطلوب ، و تلك علاقة معقدة ، و قد ازدادت تعقيدًا مع ازدياد عدد اللاجئين الموجودين في تركيا و الراغبين في العبور الى أوروبا ) . ثم تحدث عن مصر (و مصر دائمًا في العقل الاستراتيچي الأوروبي سؤال مهم ، بحكم التعداد السكاني العملاق و بحكم تناقض التقديرات حول قدراتها التنموية) . و عندما لُفِت نظره الى المغرب ، ابتسم قبل ان يقول انها أكثر من جوار .

و ذلك صحيح .. إذ ان العلاقة المغربية-الأوروبية ، خاصة في العقدين الاثنين الماضيين ، تطورت لتصبح شراكة عميقة ، بداية من دخول المغرب في عمق سلاسل التصنيع الأوروبية ، خاصة في صناعات السيارات و الطائرات ، الى علاقات ثقافية المغرب فيها شريك حقيقي و ليس مجرد مسرح حوار أوروبي الهوية و الهوى ، وصولًا الى علاقات في دنيا الأمن تعتبرها دوائر مؤثرة جدًا في أوروبا على انها من أهم احتياطات القارة .

المهم ان المغرب استطاع في تلك الفترة أن يدخل في تلك الدوائر الأوروبية المختلفة ، و يصنع لنفسه ذلك التموضع الخاص في تلك المجالات الهامة و المختلفة ، بدون ان يفقد قدرته على التحكم في اتجاه و سرعة و نوع العلاقة مع أوروبا .

ذلك مهم ، لأن تقريبًا كل علاقات التعاون الاقتصادي مع أوروبا التي تتطور لتقترب الى نوع من التكامل ، تخضع لقواعد العمل التي يضعها الاتحاد الأوروبي . لكن المغرب استطاع ان يحافظ على قدرته هو على وضع قواعده للعمل .

دائما ما كانت هناك نقاط اختلاف بين أوروبا و المغرب . و كانت السياسة هي المحك – سواء فيما يتعلق بتقديرات الاتحاد الأوروبي لاوضاع حقوق الانسان او فيما يتعلق بجوانب قانونية متعلقة بملف الصحراء ، و تلك لها تأثير على التجارة بين المغرب و أوروبا .. و قد كانت هناك لحظات صعبة كان فيها توتر و قلق . لكن الجانبان دائما ما تجنبا الوصول الى نقطة حرجة تؤثر في الشراكات المتقدمة في التصنيع و التجارة و الثقافة و الأمن .

الآن نحن أمام لحظة فيها توتر و غالبًا ستستدعي تغير في نوع العلاقة .

المفتاح هو الوضع العام في الإطار المغاربي الأوسع الممتد من ليبيا الى موريتانيا . القلق حول الوضع في ليبيا مستمر . هناك التغيرات السياسية في تونس . هناك زحف جماعات مسلحة تستخدم اسم الإسلام من منطقة الساحل الى الشمال نحو المنطقة المغاربية . و بالطبع هناك عودة روح المواجهة بين الجزائر و المغرب في الشهور القليلة الماضية . كل ذلك مهم لاوروبا ، بحكم قرب المنطقة المغاربية الشديد من أوروبا . لكن في العديد من تلك الملفات هناك اختلاف في الرؤية بين المغرب و أوروبا ، كما ان هناك اختلافات في الرؤى داخل أوروبا .

أوضح مثال هو العلاقة مع الجزائر ، المصدر الثالث للغاز لاوروبا من ناحية الحجم ، و من ثم شديد الأهمية لعدد من الدول الأوروبية ، و لكن حيث العلاقة مع المغرب في حالة توتر لا يُرى له مجال حل في اللحظة الآنية . هنا نرى التباسات و أحيانًا مواقف تراها المغرب غير داعمة لها ، بينما دول في أوروبا ترى انها لا تستطيع الا ان تمشي على حبل مشدود ، لا تريد ان تقع منه الى الدخول في تفاصيل العلاقة المغربية-الجزائرية .

متعلق بذلك ملف الصحراء ، و فيه مواقف أوروبية شديدة الاختلاف عن بعضها مما يضع أوروبا ككل – و يضع الاتحاد الأوروبي - في وضع صعب . و الأهم ان ذلك الملف خصوصًا له أهمية استراتيجية خاصة عند المغرب .

أضف الى ذلك أن هناك ايضًا اختلافات واضحة بين المغرب و عدد من الدول الأوروبية حول تفاصيل مهمة في ملفات إقليمية أخرى . و قد بدا ذلك واضحًا حول ليبيا بالتحديد .

نتيجة كل ذلك أن العلاقة الأوروبية-المغربية التي نمت و تطورت بعيدًا عن مشاكل المنطقة المغاربية بدأت الآن تتأثر بمحيطها الجغرافي ، و أصبح واضحًا ان العلاقة لا يمكن ابقاءها معزولة عن الاختلافات التي تفرضها المشاكل في المنطقة . لكن في نفس الوقت ، العلاقة أصبحت من العمق و التداخل انها أصبحت ضرورية عند الطرفين .

و هذا يدعو الى – و ربما يفرض - ان تتطور العلاقة المغربية-الأوروبية بحيث تستطيع ان تستوعب اختلافات ليس فقط حول بعض الشئون المتعلقة بالمغرب فقط ، بل ايضًا المتعلقة بالمنطقة المحيطة بالمغرب و حيث للمغرب مصالح و غايات شديدة الأهمية له ، و في نفس الوقت حيث لاوروبا مصالح و غايات هامة لها و مختلفة عن تلك التي للمغرب .

الكلام سهل ، لكن الملفات صعبة . و المهم ان تطور العلاقة المغربية-الأوروبية يستحق المتابعة لأنها العلاقة الأوثق و الأعمق في نواحي متعددة بين شمال و جنوب البحر الابيض المتوسط ، و بين دولة عربية و الاتحاد الأوروبي .