هناك تصور في بعض الدوائر العسكرية الأمريكية أنه يمكن جذب الهند لاقتراب استراتيچي من الوليات المتحدة في منافستها الكبرى مع الصين على النفوذ الأكبر في آسيا.

هذا التصور قائم على رأي يرى أن الهند قد خرجت من إطار عدم الانحياز لأي قطب دولي، و انها، بالذات تحت حكم رئيس الوزراء مودي (و هو النقيض لكل ما مثله حزب المؤتمر الذي حكم الهند لعقود) قد دخلت بالفعل – فكراً و من خلال مصالح الطبقة الحاكمة فيها - في المعسكر الغربي.

هذا التصور أيضاً يري أن مصالح الصين التجارية قد بدأت تُعبِر عن نفسها من خلال تواجد عسكري – بحري في معظمه – يُقلق الهند. و هذا التواجد العسكري للصيني ليس وليد ظروف، إنما تطبيق للرؤية العسكرية الصينية المعروفة بإسم “إستراتيچية المحيطين” (و المقصود هنا: المحيطين الپاسيفيكي و الهندي). مع هذين النقطتين، هناك تصور أمريكي أن التقارب العسكري و التجاري بين الصين و باكستان لابد و انه داعي قوي في التفكير الهندي للاقتراب من الوليات المتحدة.

الرأي الأمريكي أيضاً يلفت نظر الهند الى ان الاستراتيچية الصينية تُزيد من رقعة تواجدها في أهم طرق التجارة الأسيوية و عند النقاط الحاكمة في حركتها – مثلاً: هناك تواجد صيني متزايد في سيريلانكا، و هي ذو موقع متميز و على الحدود الهندية، كما أن الصين تُكَبِر من قدرة قاعدتها العسكرية في چيبوتي و هي مدخل المحيط الهندي و صلته الرئيسية بالبحر الأحمر و منه إلى أوروبا.

مع كل ذلك، الرأي الأمريكي يرى أن هناك دواعي تنافر بين طموحات الصين و إعتزاز الهند بموقعها كدولة ذات تأثير قوي في آسيا. مثلاً، الكثير من التقديرات الأمريكية ترى أن الإقتصاد الهندي له فرص نمو، بالذات في صناعات تكنولوچية مهمة للمستقبل، بشكل يُمكن أن ينافس الصين، على الأقل في صادرات الصين في آسيا. و الحاصل هنا، ان العلاقات بين كبريات الشركات الهندية و (silicon valley) – أهم مراكز البحث في و صنع التكنولوچيات الحديثة في الوليات المتحدة – عميقة و متداخلة في أحيان كثيرة، على عكس الحال مع الشركات الصينية. و ذلك يعني أن أفاق التعاون الاقتصادي الأمريكي-الهندي، ليست فقط مأمولة و لكنها في القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثيراً في صُنع المستقبل. و ذلك، في التصور الأمريكي، يُقوي الجانبين الأمريكي و الهندي، في مقابل الصين. اَي أن المصالح الاقتصادية تصب في ميزان العلاقات الدولية.

و قبل و بعد كل ذلك، فإن الهند بلد يقترب تعداده من المليار و نصف، أي انه تقريبا، قد تعادل مع التعداد الصيني، و هذا يجعل من الهند القوة الإنسانية الوحيدة في آسيا القادرة على موازنة الصين ككيان اجتماعي (و تلك نقطة مهمة في الحسابات الاستراتيچية)، بالذات في منطقة ذات صراعات ثقافية ذات بُعد تاريخي مثل آسيا.

تلك هي الرؤية الأمريكية…لكن ماذا عن التصورات الهندية.

بغض النظر عن نتائج الانتخابات الهندية القادمة، فإن هناك عاملين رئيسين يظهران في خطاب المؤسسات الحاكمة في الهند (و قد تحدث عدد من رجالاتها، و بالذات من هيئات أمنها القومي، في لندن مؤخراً). الأول، أن الهند لن تقبل، تحت أية ظروف، الإنطواء تحت هيمنة صينية على آسيا، حتى و إن تراجعت الصين عن تقاربها من پاكستان. (و هو على كل حال، في هذه اللحظة، إحتمال نظري). العامل الثاني، هو أن الهند، بإعتزازها بمكانتها التقليدية في آسيا، و كنتيجة لنجاحات رائعة لعدد من شركاتها و مؤسساتها العلمية في مجالات شديدة الأهمية، سوف تحافظ على ما تُسميه its strategic independence doctrine، بمعنى استقلال قرارها في كل الأمور الحيوية و الاستراتيجية – استقلال حقيقي و ليس مجرد كلام.

هذان العاملان لا يساعدان التقارب الذي تريدة الوليات المتحدة. فالعامل الأول، و إن حثَ الهند على خطوات في إتجاه الوليات المتحدة، فإن العامل الثاني ينسف أي لقاء استراتيچي جدي يُضيف فعلاً لرصيد الوليات المتحدة في مواجهتها الاستراتيچية مع الصين.

و على ذلك، فالتصور الأمريكي يُدرك ان عليه الكثير من الإقناع لجذب الهند إليه. لكن أهمية البلد في آسيا (أرض الصراع الرئيسية مع الصين) تُحفز المفكرين الأمريكيين (و خاصة في المؤسسة العسكرية) للاستمرار في المحاولة مع الهند.