الحدود بطول ٣٥٠٠ كيلومتر، واحد من أطول الحدود بين الدول في العالم. لكن الحدود غير متفق عليها، و قد جرت عليها دماء كثيرة في حروب متكررة.

الموضوع قديم. البعض يُرجعه لاتفاق منذ أوائل الستينات من القرن العشرين، منذ انتهاء أخر صراع جاد بين الدولتين. و البعض (و هذا أصح) يُرجِع الصراع الى قرون مضت.

انه الصراع بين التنين (الصين) و النمر (الهند). اللاعبان الأهم و الأكثر تأثيراً في أسيا – واضعين في الإعتبار بالطبع ان اللاعب الثالث (الأغنى و الأكثر تطوراً – اليابان – كانت دائما، حتى في فترات توسع امبراطوريتها، بعيدة ثقافيا و انسانياً عن بقية القارة الشاسعة التي تنتمي نظرياً اليها).

مقدرات آسيا دائماً كانت بين الاثنين: الإمبراطورية الحاكمة لما هو تحت الشمس، كما يقول معتقد صيني قديم .. و الحضارة الجامعة لثقافات مختلفة و لكن (غالباً) متآلفة و واصلة في تأثيرها الى بعيد خارج شبه قارتها (الهند).

هناك من ينظرون للصراع من مفهوم الأرض، و خاصة تلك المحيطة بنهر جالوان. لكن الحدود هناك كانت منذ قرون ممرات بين سهول تقطعها جبال و تدخل و تخرج منها بشكل مستمر تجمعات إنسانية، غالبا للتجارة. و عليه، فان الأرض هناك، البعيدة عن المراكز (سواء الهندية او الصينية) ليست أساس الصراع، و لكن أحد التعبيرات عنه.

جوهر الصراع استراتيجي. بمعنى ان كلا من اللاعبين الكبيرين لديه اهداف تذهب بعيداً عن حدوده. كما ان المصالح أيضا تتوسع، ذلك لأن الاثنان لديهما أسواق و طموحات (أغلبها ما زال اقتصادي) في أماكن مختلفة من آسيا. و المهم، أن كلا من البلدين يرى نفسه على انه المركز الحضاري لتلك الانحاء التي تصلها طموحاته.

كلمة “الحضاري” هنا هامة. ذلك لأنه في الحالة الصينية، هناك فكرة حاكمة في الوجدان الجمعي بأن البلد هو أساس التقدم الإنساني في أسيا، هو المركز المُشع، و هو الهيكل الامبراطوري الذي على الأخرون (في كل القارة) التسليم بقوته و بحكمه .. صحيح، ان طبيعة ذلك “الحكم” هادئة، لا تطلب الكثير، و غالباً مركزة على المصالح الاقتصادية. الا ان نوعية العلاقة بين المركز (بكين) و بقية آسيا تبقى، في الوعي الجمعي للصين، واضحة المعالم.

المشكلة ان هذا النوع من العلاقة لا يصلح مع الهند. و في الحقيقة لم يصلح ابداً، على مر تجارب تاريخية متعددة. ذلك لأن الهند ترى نفسها على انها، هي الأخرى، المركز الحضاري لأغلب (و ليس كل) آسيا. و الرؤية هنا نابعة ليس من مفهوم “الحكم”، لكن من مفهوم “المعرفة” – المعرفة الهندية التي أخرجت لمحيطها الواسع موجات من أهم الطرق الفلسفية (و بالطبع على رأسها التعاليم البوذية)، الى المدارس الفنية، الى نواحي الجمال المختلفة، وصولاً الى اساليب التمتع بالحياة (من الموسيقى الى المطبخ الى غيرها ..). و في النظرة الهندية، ان الصين دائماً ما نظرت الى آسيا على انها مجال حكم الامبراطور (كل ما هو تحت الشمس)، بينما الهند دائماً ما نظرت الى آسيا على انها امتداد ثقافي.

ذلك الصراع الطويل يخرج الآن من محيطه الفكري الى الحاضر. ذلك أن الحكومة الهندية الحالية (تحت رئيس الوزراء شديد القرب من فكرة الهندوسية السياسية: نارندرا مودي) تقترب أكثر و أكثر من الولايات المتحدة. كانت هناك زيارته الطويلة للولايات المتحدة، و قد استغل فيها (بذكاء) الجالية الهندية في الولايات المتحدة (و هي من أنجح و أغنى الجاليات هناك). ثم جاءت زيارة الرئيس ترامب الى الهند (و قد القى فيها خطابا قيل ان جمهوره قد تعدى المئات من الآلاف)! ثم كان أن تبنت الهند مبدأ “الباسيفيك-الهندي المفتوح”، و هي رؤية أمريكية للحركة الملاحية (بما فيها العسكرية) التي ترفضها الصين تماما، و تراها تقييدا لخروجها من بحر الصين الى ما بعده. كما أن الهند بدأت تقترب من ما يعرف بالثلاثي القوي في آسيا (اليابان و استراليا و الولايات المتحدة) و في نظر البعض بدأ ذلك التجمع يتحول الى رباعي بدخول الهند فيه.

في المقابل، الصين قد تعدت النظر الى أي لاعب آسيوي على انه منافس او كفء للمقارنة بها. الناظر الآن في آي كتابة صينية جادة يرى إهتمام رئيسي و يكاد يكون وحيد: و هو الصراع القادم مع الولايات المتحدة الأمريكية. آي شيء أخر يُنظر اليه من هذا الإطار. و لعل في هذا انتقاص من قدر الهند، او الأخطر عدم رؤية الأمور من ناحيتها، و ذلك خطأ تقليدي تقع فيه الامبراطوريات.

التنين الخارج من كهفه يجول في محيطه يسترجع ذكريات ما قبل الدخول في الكهف، و يرى ان ما حوله له، بحكم قوته و بحكم ما يرى انه قدراً عليا حبته به السماء. و في نظره، هو الحاكم الحق في ما هو تحت الشمس .. النمر يدرك فارق القوة بينه و بين التنين، لكنه أيضاً يدرك مكامن قوة خاصة به، و يرى انه، في الغابات المحيطه به، ليس فقط سيدا قويا، و لكنه أيضا رمزا للعزة و الجمال. ذلك الصراع الاستراتيجي المتعدي ممرات جبلية قليلة القيمة سيكون واحداً من أهم ديناميكيات مستقبل آسيا.