توقيع إيطاليا لمذكرة تفاهم (ليس لها اَي قيمة قانونية) مع الصين، حول احتمالية انضمام الأولى الى مبادرة “ الطريق و الحزام” اثار مخاوف واسعة في اوروبا.

المبادرة هي الإطار الصيني الأشمل للتوسع الاقتصادي، و السياسي، في العالم – فليس هناك استثمار في البنية الأساسية، و بالذات في مطارات، مرافئ، سكك حديد، مناطق تخزين كبرى، تكنولوجيات لوچستية، و مع كل ذلك، تنسيق اداري و اتصالي و امني، بدون قرار سياسي، يوافق على هذه الاستثمارات التكاملية، و التي بالضرورة ستربط اقتصاديات الدول التي ستحل فيها تلك الاستثمارات بالقرار الصيني.

القرار السياسي هنا، من الصين، الممول الرئيسي، و احيانا كثيرة الوحيد، لهذه الاستثمارات الكبيرة، و من الدول المنضمة للمبادرة. و لذلك فإن الخطوة الإيطالية، حتى و إن كانت الى الآن بلا قيمة قانونية، دالة – أولاً: على القرار السياسي الصيني في محاولة الدخول الاقتصادي-السياسي الى عمق غرب اوروبا، و من ثم الى قلب الغرب (الكتلة السياسية و الثقافية التي تقودها الوليات المتحدة)، و ثانياً: على الانجذاب الإيطالي الى ما يمكن ان تقدمه الصين اقتصادياً.

لكن هنا يكمن الاختلاف في الرؤية و القلق الغربي.

الاختلاف في ان بعض دول اوروبا التي تواجه مشاكل اقتصادية عميقة (مثل إيطاليا) ترى في احتمالية التقارب مع الصين هدف اقتصادي، بينما الكتل الأكبر في المعسكر الغربي (سواءً الوليات المتحدة او الاتحاد الاوروبي ككيان متكامل) ترى ان هدف الصين سياسي بالدرجة الأولى. و لذلك فإن النقاشات الأوروبية حول الخطوة الإيطالية تباينت بين مواقف الجنوب الاوروبي المتعطش لتدفقات رأس مال (أياً كان مصدره) و بين الشمال (الناظر بقلق لما يمكن ان يعقُب وجود صيني كبير في اقتصاديات أوروبية).

الحوار الاوروبي ازداد حدة بسبب الاختلافات حول مدى استعداد دول القارة للاعتماد على شركات صينية في تطوير شبكات الاتصال في مرحلة الانتقال من الجيل الرابع الى الخامس لتكنولوچيات الاتصال. و هنا أيضاً يبدو واضحا الفجوة بين، من ناحية، المنطق الاقتصادي و ما تمليه الحسابات المالية (بالذات في مرحلة سياسات تقشف في عدد من دول اوروبا) - و الصين، بشركاتها، تقدم حلول جذابة من ناحية السعر و التكلفة – و بين من ناحية أخرى، دواعي الأمن الاوروبي الذي يرى مخاوف من وضع اجزاء من البنية التحتية الأوروبية، خاصة في مجال الاتصالات، بين يدي شركات صينية.

النقطة الأمنية لها ابعاد اوسع. ففي هذه اللحظة، الدول الأوروبية المؤثرة (خاصة، ألمانيا و فرنسا) تحت ضغط أمريكي لزيادة استثماراتها العسكرية، بالذات في إطار حلف الناتو، في مواجهة ما يراه المعسكر الغربي، تحفذ روسي لزيادة رقعة نفوذه في شرق اوروبا. و لذلك، فان تقبل استثمارات صينية استراتيجية في اوروبا، أولاً، يُعقِد الرؤى مع الوليات المتحدة (التي ترى في صعود الصين، اهم تحدياتها الاستراتيجية)، و ثانياً، يفتح الباب امام مخاطر جديدة، بالإضافة الى الخشية مما قد تقوم به روسيا.

لكن، في المقابل، هناك رأي في الجيو-اقتصادية الأوروبية يرى فرصة في استغلال الرغبة الصينية في الوجود في اوروبا، لدفعها لاستثمارات كبرى في القارة، بدون تقديم تنازلات سياسية، مثل التي تحصل عليها الصين من العديد من الدول الأفريقية التي تستثمر فيها. و الفكرة الداعمة لهذا الرأي تقول ان الصين، على الرغم من قدراتها المالية المتزايدة، تفتقر للخبرة في الابحار في السياسية الأوروبية ، و هي متشابكة و احيانا معقدة، بتعدد دوائر صنع القرار و بالتركيبات القانونية للاتحاد الاوروبي. و عليه، و باختصار، فان بعض دول اوروبا (خاصة في الجنوب) طامعة في المال الصيني بدون التكلفة السياسية، و تظن انها قادرة على تحقيق ذلك.

اغلب الظن، ان اوروبا، و بالذات دولها الكبرى (فرنسا و ألمانيا، و احتمال بولندا) سوف تأخذ وقت طويل (شهور) قبل ان تتخذ قرارات بالدخول في مبادرة الطريق و الحزام، او بخصوص تسليم تنفيذ بعض مشاريعها الكبرى في البنية التحتية الى شركات صينية. لكن ديناميكيات تلك القرارات سوف تكون مهمة لمتابعي اوروبا، ليس فقط چيو-اقتصادياً و لكن أيضاً، چيو-سياسياً.

طارق عثمان هو مؤلف Egypt on the Brink، الكتاب الأكثر مبيعاً عن مصر في العالم في العقد الماضي وIslamism: A History of Political Islam، الصادرين عن دار نشر جامعة ييل الأمريكية، ومؤلف ومقدم عدد من السلاسل الوثائقية لـBBC البريطانية.