دراسة من مركز الإصلاح الأوروبي (و هو و إن كان من مراكز البحوث الصغيرة، الا ان فيه عدد من اذكى الباحثين في الشئون الأوروبية) تقول أن كل شهر من الغلق الاقتصادي، تكلف كل دولة أوروبية، تقريبا ٣٪؜ من ناتجها القومي. طبعا الارقام تختلف، لكن متوسط التكلفة في تلك الحدود.

معنى ذلك ان الدول الأكثر تأثرا من جائحة الكورونا، مثل إيطاليا و اسبانيا و فرنسا و بريطانيا، و التي غالبا ستستمر في فرض قيود شديدة على الحياة الاجتماعية فيها، ستمر بانكماشات اقتصادية فادحة، أكثر بكثير من تلك في دول مثا المانيا و النمسا و هولندا و أغلب دول وسط و شرق أوروبا، حيث هذه الجائحة أقل وضوحا بكثير. و الحالة في إيطاليا و اسبانيا، و الى حد ما فرنسا، أكثر حدة، ذلك لاعتماد هذه الدول بشكل كبير على السياحة، و هي صناعة شبة متوقفة الآن.

المشكلة أكثر تعقيدا، بالذات في دول جنوب القارة (أيضا مثا إيطاليا و اسبانيا)، ذلك لأن هذه الدول لا تستطيع اعتماد برامج تحفيزية كبرى، و هي التي دخلت أزمة الكورونا بنسب ديون مرتفعة. و اذا حاولت، فإن تكلفة الديون و ارهاقاتها على الميزانية ستكون شديدة، لأن نسب الفائدة المطلوبة ستكون بالضرورة مرتفعة.

هذا، بالتالي، يعنى أن قدرة هذه الدول على الاستثمار في الخدمات و القدرات الإنتاجية، و دواعي التقدم (التعليم الجاد مثلاً) ستقل بشدة. و بالطبع لذلك تداعيات على حياة المجتمعات.

هذه الأوضاع دائما تؤدي الى ضعف في ثقة المستهلك و المستثمر الناظر للمستقبل القريب. و المشكلة هنا ان تناقص الاستهلاك (خوفا مما قد يحمله المستقبل) مؤدي بالضرورة الى انكماشات في الاقتصاد ككل و مشاكل عويصة في صناعات كثيرة قائمة بشكل رئيسي على السوق المحلي.

الصورة قد تبدو قاتمة … و القلق أن ردود الفعل ما زالت بطيئة خاصة فيما يتعلق بهذه الدول في جنوب أوروبا المعرضة لتلك المشاكل. مثلا، حتى الآن ما زالت القيود المالية على الميزانيات، المفروضة في لوائح الاتحاد الأوروبي، سائرة المفعول بدول تغييرات و لو مرحلية. هذه القيود لسيت مجرد كلمات في اتفاقات، بل مؤثرة جداً في المساعدات التي يمكن أن يقدمها الاتحاد الأوروبي، بادواته المختلفة، لتلك الدول. كما ان تلك المساعدات – وجودها من عدمه – مؤثر بالضرورة في تقييم المستثمرين لسندات تلك الدول، و من ثم (مرة أخرى) مؤثرة في حجم الإرهاق المالي على ميزانيات تلك الدول في المستقبل القريب.

هناك خطوات على الأفق. أهمها اقتراح بانشاء صندوق جديد بقيمة ٥٠٠مليار يورو، موجه بشكل رئيسي للدول الأكثر تأثرا من جائحة الكورونا. و أهمية الاقتراح ان ورائه انجيلا ميركل، مستشارة المانيا، و ايمانيول ماكرون، رئيس فرنسا. لكن تفعيل هذا الصندوق سيحتاج موافقة أغلب دول الاتحاد الأوروبي. و ذلك أمر صعب و حافل ليس فقط بالمشاكل، و لكن أيضا بالتعقيدات البيروقراطية.

كما ان سياسيا، الأمر أيضا معقد. ذلك انه، حتى مع دعم انجيلا ميركل (و هي من هي في السياسة الأوروبية) الا ان هناك كثيرون في دوائر السلطة في أوروبا (خاصة في الشمال الغربي و الوسط) من الرافضين لمبدأ المساعدة شبة الدائمة من الشمال الى الجنوب الأوروبي في مشكلة بعد أخرى بعد أخرى. و في هذه الأوضاع، هناك احتمالية ان تتحول الحوارات حول هذا الصندوق المقترح الى حوارات حول مستقبل الاتحاد الأوروبي … و هذا معناه شهور و شهور من اللف في دوائر و دوائر.

مرة أخرى الجوانب الاقتصادية تُخرِج المشاكل السياسية العويصة في أوروبا الى السطح. لكن هذه المرة التقديرات الجادة لحجم الضربات الاقتصادية داعي كل المهتمين باوروبا الى القلق، أن ما هو مطلوب من السياسة كبير .. و السؤال، هل هناك التزام حقيقي واسع بالمشروع الأوروبي نفسه، ام ان أوروبا امام لحظة قد تكون بداية افتراق للطرق.