أربعة أرقام، ظهرت في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي مؤخراً، تلقي بعض الضوء على مستقبل العلاقة الأمريكية-الصينية.

الرقمان الأولين حول معدلات النمو الإقتصادي في البلدين. في الصين، الظاهر أن هناك إستقرار في العامين الماضيين في النمو السنوي في حدود ال٧٪، و هو و إن كان معدل جيد جداً لثاني أكبر إقتصاد في العالم، إلا إنه تراجع عن المعدلات التي إستطاعت الصين تحقيقها في العقدين الماضيين. في المقابل، فإن الولايات المتحدة تبدو الآن قادرة على الإستقرار على معدل نمو فوق ال٣٪؜، و هو أعلى مما كان عليه الحال في نفس العقدين السابقين.

على الجانب العسكري – فإن تقديرات الإنفاق السنوي على التسليح الأمريكي في العقد القادم (بما فيه الأبحاث المعلنة) واصل إلى أكثر من ٨٠٠ مليار دولار، بينما في الصين، فإن التقدير أن إنفاقها العسكري السنوي سيصل إلى ٣٠٠ مليار دولار.

ثلاث ديناميكيات تنشأ عن هاتين العلاقتين.

واحد: أن الرقمان الأولان، مع إحصاءات مختلفة لهئيات يُمكن الوثوق في حيادها، تدل على أن التقديرات التي سادت في العقد الماضي، عن أن الإقتصاد الصيني سوف يلحق بالأمريكي خلال عقد من الزمان، تبدو الآن بعيدة عن الدقة. و الأهمية هنا ليست في حجم إقتصادي البلدين، و لكن في حجم فائض القوة الإقتصادية للبلدين.

و الحاصل أن القوة الإقتصادية الصينية – ممثلة في استثمارات شركات صينية أو في مبادرات إستراتيجية كبرى، مثل مبادرة طريق الحرير الجديد، المدعومة بقوة من الدولة الصينية – ستأخذ وقتاً أطول لتبني للصين مراكز قوة تستطيع منافسة الهياكل الإقتصادية الأمريكية التي تحكمت في مفاصل الإقتصاد الدولي في العقود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أو حتى تستطيع تحدي المصالح الأمريكية المترسخة في المناطق الثرية او ذات النمو الأقتصادي الواضح في العالم.

الديناميكية الثانية متعلقة بقدرة الفعل العسكري. هنا أيضاً – كنتيجة لفارق بنية القوة و فارق قدر الإستثمار في تلك البنية - تبدو القدرة الصينية، على إزديادها، بعيدة جداً عن تحدي القوة الأمريكية في أي منطقة ذات أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة، بما في ذلك شرق آسيا نفسها، و هي الجوار الأول للصين.

الديناميكية الثالثة تأتي كنتيجة لما سبق – و هي أن الصين، في صعودها المستمر، على الأقل في العقد القادم، لن تحاول أن تتحدى مباشرة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة – و لكنها ستحاول خلق مساحات عمل لمؤسساتها و شركاتها داخل ذلك النظام.

أهم مساحات العمل هذه تتعلق بتوسيع أسواق صادراتها، و هي الخالقة لفرص عمل داخل المجتمع ذو المليار و ربعمائة مليون نسمة، بدونها يسقط النظام السياسي الصيني برمته. يترتب على ذلك، أن أحد أهم الأهداف الإستراتيجية الصينية هو تأمين طرق الملاحة و التجارة العالمية بشكل عام، التي عن طريقها تصل الصادرات الصينية الى أسواقها.

و هنا فإن الصين محتاجة، ليس فقط إلى الولايات المتحدة، الحامي الأول لتلك الطرق، و لكنها أيضاً محتاجة إلى علاقات دولية مع الدول ذات الأسواق الأهم لها (و هم، في الأغلب، حلفاء للولايات المتحدة).

على عكس ما قد يبدو، فإن هذا الضعف الصيني النسبي، في مقابل الولايات المتحدة، يتماشى مع التفكير الإستراتيجي الصيني – على الأقل كما يبدو من كتابات أساتذة العلاقات الدولية هناك. في هذا الفكر، الصين تريد أن يكون صعودها سلس، بدون أن يبدو كتحدي للنظام الدولي الذي تنظمه (و تحكمه) الولايات المتحدة. ذلك، لأن تحدي الولايات المتحدة (في هذه المرحلة) سيتبعه، بالضرورة، تصدي من الولايات المتحدة. و هي تملك أدوات عدة و قدرات هائلة. و عليه، فإن غاية الطلب في الفكر الصيني هو أن تواجه الولايات المتحدة مشاكل مختلفة تشغل إهتمامها و تستوعب جزء كبير من قدراتها، ليبتعد التركيز الإستراتيجي الأمريكي بعيداً عن الصعود الصيني. فإن تعذر ذلك، فلابد من اللعب بالقواعد الحالية للعبة.

هناك عامل أخر في الفكر الصيني، المبتعد عن تحدي الولايات المتحدة، و هو أن الصين، حتى الآن، لم تجد سرد (narrative) يمكن أن تقدم نفسها به الى العالم، كقوة سياسية و ثقافية. و ذلك ضرورة لأي قوة عظمى، كما أنه تحدي شديد الصعوبة.

بناء على ذلك كله، فإن العلاقة الأمريكية-الصينية، على الأقل في العقد القادم، قائمة على تفادي الصراع، و محاولات لإحتواء القلق الأمريكي من صعودها، و وضع ذلك الصعود داخل إطار النظام العالمي الموجود، و ليس كمقدمة لهدمه و بناء نسخة صينية منه.