إنجيلا ميركل لن تخوض الانتخابات القادمة في ٢٠٢١. و بغض النظر عن الدور المهم الذي لعبته داخل حزبها لاختيار من سيقوده في هذه الانتخابات، و أيضا بغض النظر عن فرص الحزب في قيادة االحكومة الألمانية بعد الانتخابات، فهذه السنة – ٢٠٢٠ – هي نهاية مرحلة إنجيلا ميركل. و قد كان منظورًا لهذه السنة ان تكون سنة غلق ملفات في ألمانيا.

جائحة الكورونا قلبت الأولويات. و حتى بعد الخروج من فترة المخاوف الصحية، ستبقى التداعيات الاقتصادية جاثمة على صدر أوروبا كلها. و ألمانيا هنا متأثرة من ناحيتين. الأولى: المشاكل الاقتصادية و من ثَم الاجتماعية التي ستترتب على تداعيات الكورونا في ألمانيا نفسها. و الناحية الثانية: ان ألمانيا اللاعب الأهم و الأكبر في أي تضامن إقتصادي أوروبي لمواجهة التداعيات الاقتصادية في القارة كلها.

الناحية الأولى مشكلة، لكن الاقتصاد الألماني لديه من القدرات ما يجعله قادرًا – او على الأقل من الأكثر قدرة – على مواجهة الأثار الاقتصادية في بلده.

الناحية الثانية أكثر تعقيدا، لأن فيها جانب سياسي داخلي، جانب سياسي خارجي، و جانب قانوني.

الجانب السياسي الداخلي هو ان الملف الأهم لإنجيلا ميركل في سنتها الأخيرة، و هو رئيسي في الانتخابات القادمة، متعلق بما يحدث في الجانب الشرقي من البلد. ذلك انه بعد اكثر من ربع قرن على الوحدة الألمانية بعد انتهاء الحرب الباردة، ما زالت الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية في الشرق (خاصةً في الريف) ابعد ما تكون عن مثيلاتها في الغرب. و بالطبع هناك نتائج سياسية لذلك، منها غضب واضح بين الشباب، راديكالية متزايدة في التعامل مع المهاجرين، و تعاطف مع أفكار أحزاب أقصى اليمين.

لذلك، قبل الكورونا، كانت الأولوية الرئيسية لميركل في السنة الأخيرة من حكمها، و خاصة قبل الانتخابات، محاولة الإسراع ببرامج أكثر عمقا و سعة في التعامل مع الفروقات الاقتصادية بين الشرق و الغرب. هذه الأولوية أصبحت أكثر الحاحا الآن، بالإضافة بالطبع لمواجهة تداعيات الجائحة بشكل عام داخل البلد. و عليه، فإن الدعم الألماني لدول أوربية أخرى، لا شك، سيكون محل تساؤل في الشهور القادمة، حتى من المؤمنين بضرورة المشروع الأوروبي لمستقبل ألمانيا.

التعقيد القادم من السياسة الخارجية متعلق بدور ألمانيا في أوروبا في هذه السنة، ٢٠٢٠. في هذه السنة، هناك مفوضية أوروبية جديدة تشكلت فقط في نهايات ٢٠١٩، و قد تصورت نفسها “مفوضية جيو-ستراتيجية”، أي معنية بوضع أوروبا العالمي، خاصة بين الولايات المتحدة و الصين. كما ان ٢٠٢٠ هي سنة ميزانية كبرى للمفوضية، أي محاصصات و تخصيصات ستستمر لعدة سنوات قادمة. أيضا هنا، الكورونا غيرت الأولويات. لكن الأسئلة التي اثارتها تلك المفوضية في الأشهر القليلة الماضية، و القرارات المتعلقة بالميزانية، ما زالت مطروحة و منتظرة حسم. و الحاصل ان أي دور أوروبي في العالم متعلق بشكل رئيسي بقدرات أوروبا الاقتصادية و ليس بأي شيء أخر. و ذلك متصل بالمخصصات في الميزانية متعددة-السنوات. بالطبع القدرات الاقتصادية تعني، في جزء كبير منها، القدرات الألمانية. أي ان الأسئلة الكبرى حول وضع أوروبا و حول التخصيص للقدرات المالية داخل في دهاليز السياسة الألمانية، مؤثرًا فيها و متأثرًا بها.

الجانب القانوني نابع من الدستور الألماني، الذي يضع قيود شديدة على ما تستطيع المستشارية الألمانية (أي رئاسة الحكومة) او أي جهة تنفيذية أن تفعله. ذلك أن الدستور يعطي القضاء الألماني، و خاصة المحكمة الدستورية العليا، صلاحيات كبرى في تحديد ابعاد فِعل السلطات التنفيذية. و في ألمانيا تلك الأحكام نافذة العمل لا تستطيع أي سلطة تحديها. و هناك الآن بالفعل قرارات من المحكمة الدستورية تُقيد ما يستطيع البنك الفيدرالي الألماني أن يقوم به. بعض هذه القرارات تضع البنك الفيدرالي الألماني خارج المنظومة التي يريدها البنك المركزي الأوروبي لمعالجة الأوضاع الاقتصادية في أوروبا بعد الكورونا. تلك التعقيدات القانونية ما زالت في بداياتها. لكن هناك احتمال، ليس بالهين، ان تتحول الى قيود تمنع مشاركة البنك الفيدرالي الألماني في أهم برامج التمويل التي يصوغها البنك المركزي الأوروبي.

المشاكل متداخلة، و لعلها في ظروف من الأكثر دقة في الربع قرن الماضي. إنجيلا ميركل هي الزعيمة الأكثر خبرة، و ربما حكمة، في أنحاء السياسة الألمانية. لكنها على بعد شهور من انتخابات ستنهي فترة وجودها في المستشارية الألمانية. و لذلك حتى و إن كان لديها تصورات واضحة لحلول، فإن قدرتها على الفعل ستتأثر بمعرفة الجميع انها ذاهبة الى المغيب.