الانتخابات البرلمانية في الهند حدث عالمي مهم، لأربعة أسباب:

واحد: الحجم السكاني للهند يجعلها أكبر ديمقراطية في العالم، و لذلك فما يحدث في السياسة الهندية له صدى واسع. اثنين: الهند هي الدولة الأهم في آسيا بعد الصين، خاصة في التأثير الثقافي. ثلاثة: الهند دولة اعراق و اديان مختلفة، و لذلك فإن انتخاباتها داله على ما هو اكثر مما هو ظاهر على سطح السياسة و الاقتصاد فيها. أربعة: الصراع الهادئ احيانا، الهادر احيانا أخرى، بين الهند و باكستان، واحد من اخطر الصراعات في آسيا…ليس فقط بحكم ان الدولتين نوويتين، و لكن أيضاً بحكم الحجم السكاني لشبه الجزيرة الهندية ككل.

مع هذه الأسباب، كان هناك عنصرا اهميةً خاصة لانتخابات الهند التي جرت هذا الشهر. الأول هو رؤية كيف تنظر طبقات واسعة في المجتمع الهندي للتغيرات الاجتماعية التي يقودها رئيس الوزراء مودي منذ أربعة أعوام، و هي الأعمق منذ انتهاء فترة حكم جواهر لآل نهرو في منتصف الستينات. السبب الثاني هو ان مودي، في السنوات القليلة الماضية، بدأ تحولات مهمة في السياسة الخارجية للهند، و الانتخابات كانت فرصة لمتابعة هل لهذه التغيُرات ظلال على آراء و مشاعر الناخبين.

اهم تغييرات مودي كانت تعميق الهوية الهندوسية في جوهر و فكر و لغة حزبه (الحاكم منذ ٢٠١٤)، و ربط هذه الهوية بمعنى الهند و ما تمثله لقطاعات واسعة من الهنود. هذه النقطة حول الهوية كانت، لعقود، اثناء سيطرة حزب المؤتمر على السياسة الهندية، كامنة اما في اعماق الوجدان الهندي او في الأطراف البعيدة عن مراكز السياسية و الاقتصاد و الفكر و الإعلام. مودي استطاع ان يأتي بهذه الهوية الى القمة و الوسط، الى النقاط المركزية في المجتمع الهندي.

هذا التغير يُصوَر احيانا كثيرة، بالذات في الصحافة الغربية، على انه تداعي للديمقراطية الهندية، و تآكل لفكرة الهويات المتعددة التي بُنيت على اساسها الهند الحديثة. و لا شك ان هناك دواعي حقيقية للقلق. خاصة و ان هناك مجموعات من داخل الحزب الحاكم تورطت، في السابق، في احداث عنف ضد أخرين، و بالذات مسلمين. لكن، نجاح التغيير الذي احدثه مودي و التفاف طبقات واسعة في المجتمع حوله يدل على ان سطوع الهوية الهندوسية في السياسة الهندية تعبير عن قوة كبرى في المجتمع و عليه، فإن التفكير في هذه المشاعر (التي أنجحت تحولات مودي) مهم لفهم الى أين الهند ذاهبة.

التحولات الخارجية متصلة بالتغيرات الداخلية. جزء كبير من دور الهند في العلاقات الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين نبع من فكرة التعددية في الهند و ان هذه الدولة استوعبت حضارات مختلفة، و عليه قدمت نفسها كمدافع عن افكار و تطلعات إنسانية معينة، كان أهمها فكرة التحرر و عدم التبعية لافكار نابعة من رؤى امبراطورية. و قد أثرت هذه الفكرة لدور الهند، بالذات، في قربها من تجارب التحرر في العالم العربي.…التغير في الخطاب السياسي في الهند، و الذي قاده رئيس الوزراء مودي، ادى الى رؤية هندية مختلفة لدورها – و لمصالحها - في العالم. أصبحت الهند اكثر استعداداً للتقارب مع دول كانت في السابق تراها معادية لافكار التحرر. الأولويات في السياسة الخارجية، أيضاً، تغيرت. ازدادت اهميةً العلاقات مع مراكز المال – سواءاً في الغرب او في الشرق – و أُعطيت ثقل أكبر في صنع القرار الهندي. و لذلك، على سبيل المثال، رأينا تقارباً مع دوائر يمينية (سياسيا و اقتصاديا) في الوليات المتحدة، و هي الدوائر الأكثر دفعاً لفكرة الإمبراطورية في الفكر و الفعل الأمريكي.

نجاح مودي و حزبه في الانتخابات التي أجريت في مايو ٢٠١٩ يدل على ان التغيرات و التحولات ما زالت تحظى بدعم واسع (و ان كان ضرورياً لمن يراقب الهند بتمعن ان ينظر ايضا الى عاملين مهمين هما، الصورة التي نجح مودي في تقديمها عن نفسه للمجتمع الهندوسي في الهند و حفاظه على هذه الصورة، و أيضاً الى التغيرات الحاصلة في حزب المؤتمر)…لكن، الحاصل، ان النجاح في الانتخابات الأخيرة سوف يُسرع من وتيرة التغيرات و التحولات. كما سوف يُعمِق من العلاقات الجديدة للهند في السياسة الدولية. و غالباً ، سوف نرى ما يقترب من تغيُرات هيكلية في المجتمع الهندي، و بالذات في مراكز القوة الإقتصادية فيه، في السنوات القليلة القادمة.