الثروة الإسرائيلية و مشاكلها
إسرائيل دولة ثرية، و جزء مهم من التجربة الإسرائيلية في السبعين عامًا الماضية متعلق بتطور مجتمع قائم إقتصادياً على مهاجرين مزارعين الى مجتمع ما بعد صناعي. لكن حجم الثراء الإسرائيلي ازداد بدرجة لافتة للنظر في العقد الماضي.
على سبيل المثال، عدد سكان إسرائيل، بما فيها العرب، يعادل تقريباً ٠،٠٠١٪ من التعداد العالمي، لكن ذلك العدد الضئيل يملك تقريباً ٠،٣٪ من حجم الثروة في العالم (بحساب الناتج العالمي). و تلك واحدة من أعلى النسب في العالم.
هذه النسبة دالة على نجاحات. ثلاثة، بالذات. النجاح الأول هو التطور المهول الذي أنجزته إسرائيل في مجالات تكنولوجيات المعلومات و الاتصالات. و هو نجاح بدأ في الشأن العسكري ثم أتسع الى دنيا الأعمال و المال. النجاح الثاني كان في القدرة على وصل التطور التكنولوجي بالقوى الكبرى في أسواق المال. و بالطبع فإن العلاقات الخاصة بين إسرائيل و الولايات المتحدة، و الوجود القوي لجاليات يهودية أمريكية في وول ستريت (شارع المال في نيويورك)، ساعدا على تطوير تلك الصلة. النجاح الثالث، كان في القدرة على إيجاد شراكات ذكية بين شركات تكنولوجيا إسرائيلية و أخرى أكبر، سواء في الولايات المتحدة، او بعد ذلك في الهند ثم روسيا ثم الصين. تلك الشراكات فتحت أسواق عملاقة امام التكنولوجيا الإسرائيلية.
لكن، مع النجاحات، و مع الثراء الكبير الذي جاء نتيجة لتلك النجاحات، كان هناك أيضاً مشاكل. هناك مشكلة عدم مساواة إقتصادية، بدأت تأخذ صورة واضحة داخل المجتمع الإسرائيلي. و كثيرون سيتذكرون المظاهرات التي شهدتها إسرائيل في ٢٠١٢ و التي عبر فيها شباب إسرائيلي عن غضبه من التفاوتات الاقتصادية، خاصة مع ظهور مظاهر ثراء فاحش، بالذات في تل أبيب و ما حولها.
الثراء و القرب الشديد من مراكز تكنولوجية و مالية في الولايات المتحدة أتى بمشكلة أخرى الى السطح: تلك المتعلقة بالبعد الاجتماعي بين الطبقة العليا في المجتمع الإسرائيلي و بين طبقات مختلفة، خاصة من اليهود السلفيين (و هم نسبة لا تقل عن ١٥٪ من عدد السكان)، و بالطبع كثيرين في أسفل الطبقة الوسطى. و لعل هذا التباعد الاجتماعي (و بالطبع، الفكري) عامل رئيسي في المشاكل السياسية في إسرائيل، و قد رأينا كيف إضطرت الى إجراء ثلاثة انتخابات عامة في أقل من سنة واحدة.
الثراء في مجتمع مفتوح، فيه إحترام للحريات و للقانون، يتحول الى إستثمارات داخل هذا المجتمع. لذلك، لا شك، إسرائيل مستفيدة من الثروات الكبرى التي تولدت فيها في السنوات الماضية. على سبيل المثال، هناك تدفق مالي، من داخل إسرائيل، على صناعات وليدة، كلوغاريتمات الذكاء الصناعي و إستعمالاتها المحتملة. ذلك التدوير للثروة يعطي البلد استقلالية مالية، او قدر معقول من القدرة على الإعتماد على الذات في التطورالإقتصادي.
لكن، في المقابل، مشكلة التزايد الكبير و الواضح في عدم المساواة الاقتصادية، و معها التباعد الاجتماعي، داخلة في قلب السياسة في إسرائيل، و واصلة الى عمق المشروع الإسرائيلي. ذلك انه اذا كان صحيحًا أن المشروع الإسرائيلي قد إستطاع ان يُطوِر نفسه من مجتمع زراعي (كيبوتز الخمسينات و الستينات) الى واحد من أهم مُبدعي و مُنتجي الصناعات الحديثة في العالم، فالحاصل أيضاً ان ذلك التطور خلق فجوات كبيرة داخل المجتمع الذي يحتضن هذا المشروع. و في حالة التباعد المتزايد داخل المجتمع الإسرائيلي، فإن كل من تلك الفجوات يمكن جدا أن تتحول الى هاوية فيها نيران غضب. الغضب لا يعني بالضرورة ثورة. الغضب ممكن يكون رفض للمجتمع. و بالفعل، فإن هناك معدلات هجرة واضحة من إسرائيل الى خارجها.
تجربة التطور الإسرائيلي و الثراء الذي تولد فيها، و المشاكل التي أحدثها مهمة، ليس فقط للمهتمين بالإجتماع السياسي، لكن لنا بالذات في الشرق الأوسط، حيث إسرائيل لاعب في غاية الأهمية و القدرة على التأثير.