٢٠١٩ شهدت الذكرى الأربعون للثورة الإسلامية في إيران. لكنها تشهد، أيضاً، الذكرى العاشرة للانتفاضة الشعبية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمود أحمدي نچاد بفترة ثانية، امام مرشح مَثَلَ قوى إصلاحية و شبابية، إقتنعت ان الانتخابات قد سُرِقت منها.

بغض النظر عن تفاصيل الانتخابات وقتها، فان حركة مجموعات اصلاحية، شبابية، و مُعبرة عن قوى تغيير داخل المجتمع الإيراني، خاصة في الجامعات و دوائر الثقافة و الفن (و هو صناعة ناجحة في إيران، ذات تواجد دولي مشهود)، كانت فرصة قيمة لإحداث تحول نوعي و صحي في إيران، لثلاثة أسباب.

واحد: ان الفترة منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران في ١٩٧٩ الى ٢٠٠٩ مثلت سيطرة المؤسسية الدينية (و مركزها الحوزة الشيعية في مدينة قم) على كل نواحي الحياة السياسية في البلد. و في ٢٠٠٩، بعد ثلاثين عاماً على تلك السيطرة، بدا واضحا لأي مراقب، أن هناك ما هو أكثر من تملل، بل غضب مما تعنيه تلك السيطرة على الحياة العامة في المجتمع. و في تلك اللحظة، كان ممكناً التعامل مع هذا الحراك على انه محاولة سلمية من أصوات واعدة، تريد تطوير و ليس إسقاط النظام. و كان لذلك التفكير فرصة ان يُفيد الدولة و المجتمع و النظام.

اثنين: حراك ٢٠٠٩ أراد ما هو ابعد من التعبير عن غضب من نتيجة انتخابات..أراد الخروج من الدائرة الفكرية المغلقة التي وضعت الثورة الإسلامية المجتمع الإيراني داخلها خلال ثلاثين عاماً. و كان واحد من اهم ما اراده الناشطون و المطالبون بالتغيير هو توسيع هوية المجتمع…الالتزام بالهوية الإسلامية على الأسلوب الشيعي، و لكن اعادة إدخال أبعاد أخرى، أهمها: الهوية الفارسية. هذه نقطة مهمة في إيران، ذات التاريخ الطويل و الباع الحضاري الثري. ذلك لأن الهوية الفارسية كانت فاعلة جداً في الفكر و الخطاب الأيراني، بالذات بعد دخوله العصر الحديث، طيلة القرنين التاسع عشر و العشرين، إلى أن استبعدها الإمام الخميني من أوجه المجتمع بعد نجاح الثورة الإسلامية. و كان هذا الإستبعاد قطع في لحم الثقافة و أسلوب الحياة الإيرانيين.

ثلاثة: ارتبط ذلك بفكرة أخرى: توسيع قاعدة شرعية نظام ولاية الفقيه الذي أرساه الإمام الخميني. ذلك أن ما ارادته القوى التي حاولت التغيير، كان الخروج من سيطرة الأفكار السائدة في الحوزة الشيعية، و استيعابها داخل إطار أكبر فيه أفكار قادمة من مدارس فكرية مختلفة. لم يُرِد أهل التغيير التمرد على أفكار الحوزة، بقدر ما أراد أغلبهم ان تلاحق تلك الأفكار التطورات التي أحدثتها ثلاثون عاماً في المجتمع.

لكن الفرصة ضاعت…أيضاً، لثلاثة أسباب. النظام خاف ان تكون المظاهرات بداية لتمرد يعقبه مطالب أكبر من التغيير داخل الإطار الحاكم. النظام أيضاً رفض فكرة تطويرشرعية الحكم، و رأى أن توسيع الإطار من التفسير الخميني لولاية الفقيه الى ما هو أبعد سوف يؤدي الى نهاية حكم الفكرة، و في هذا (في رأي الأصوات النافذة في الحوزة وقتها) نهاية النظام.

النتيجة انه اليوم، بعد عشر سنوات على هذه المحاولة، فإن النظام في إيران يدخل في صراع معقد مع الولايات المتحدة و عدد من حلفاءها، و هو على علاقة صعبة مع مجتمعه. هناك رفض مجتمعي واسع لما تراه قطاعات واسعة تعامل إمبراطوري من الولايات المتحدة مع إيران. و هذا يجمع الكثيرون في المجتمع مع النظام. لكن، في المقابل، هناك غضب مكتوم في المجتمع، له أسباب سياسية متعددة، يُضاف اليها مشاكل إقتصادية تزداد في كل يوم نتيجة العقوبات الأمريكية.

أضف الى ذلك، أن النظام الإيراني يواجه هذه التحديات بينما هو على احتمالات تغيير في القمة – ليس فقط نتيجة لكبر سن و مشاكل صحية متعددة يمر بها المرشد العام، و لكن أيضاً نتيجة تغيرات واسعة في دوائر الحل و العقد في الحوزة الدينية، و أيضاً في هيكل القوة المسلحة الأيرانية. هذا التغيير المتعلق بالقوات المسلحة يأتي بعد زيادة واضحة في نفوذ فرق معينة داخل الحرس الثوري الإيراني، كان قد أوكِل اليها الدور الرئيسي في العمل العسكري الإيراني في الشرق الأوسط. هذا التغيير في النفوذ داخل هيكل المؤسسة العسكرية الإيرانية له عواقب على الفكر و الرؤى للمستقبل.

نتيجة لكل ذلك، فإن إيران اليوم تواجه تحديات مختلفة، بينما البيت في الداخل نفسه يمر بمشاكل، و على بدايات تغييرات مهمة. و ذلك يُصعِب مهمة النظام في لحظة خطرة عليه و على بلده. و هذا ثمن إضاعة الفرصة التي رأها خطراً منذ عقد من الزمن.