في الظاهر ليس هناك نقاط تقارب .. الأول، مؤلف روايات للمراهقين و الشباب، دارت أغلبها في عوالم المخابرات و الخيال العلمي و الثاني، مخرج تليفزيوني قدم مسلسلات، أغلبها تاريخي.

لكن هناك ثلاثة نقاط تقارب.

الأولى: أن الاثنان فتحا أبواب جديدة في عالميهما.

نبيل فاروق أخذ روايات الجيب في العالم العربي الى دنيا جديدة. الرجل وسع من نطاق تلك الروايات، من حيث الموضوعات، أطر القصص، الحجم، و أيضا من حيث اللغة. ذلك انه أدرك بذكاء ان اللغة العربية المقروءة كانت في نهايات الثمانينات و طيلة التسعينات في حالة تغير مع دخول القنوات الفضائية ثم الانترنت. فكتب بلغة فصحى لكن فيها حداثة متصلة بالثقافة السمعية و البصرية التي كانت وقتها جديدة .. كما ان د.نبيل (كما كان يحلو لقراءه مناداته) كان ايضاً ذكياً في تطوير موضوعات رواياته، فكانت على صلة بموضات ظهرت في تلك الفترة في الثقافة الجمعية في الغرب و وجدت طريقها سريعا الى العالم العربي .. و لعل قمة ذكاءه كان في تطوير حبكات قصصه لتواكب النمو العمري و الفكري للجيل الذي بدأ يقرأوه و هو بعد في أوائل المراهقة، و الذي أراد د.نبيل أن يبقيه معه و هم في منتصف و نهايات العشرينات.

حاتم علي فِعل شيئا شبيها في عالم المسلسلات التاريخية. الرجل جاء بقراءات جادة و انتقى منها مشاهد مثيرة و مفيدة لفهم الصورة العامة للحقبة التاريخية التي اهتم بها. ثم قدم تلك المشاهد بأسلوب بصري كان وقتها جديد على المشاهد العربي. و كان ذكاءه في نقل أساليب تصوير سينمائية الى شاشة التليفزيون. كما كان شجاعاً في الرهان على ممثلين كانوا وقتها شباب غير معروفين. و في ذلك ثقة المخرج الناجح، الذي هو في النهاية صاحب الإمضاء على اعماله .. لذلك جاءت مسلسلات حاتم علي ذات نكهة خاصة. و كما كان الحال مع صديقنا د.نبيل، طور حاتم علي من حبكاته، فنرى في مسلسلاته الأخيرة وزن أكبر (مما كان في أعماله الأولى) للمشاعر و المعاني البشرية العميقة.

النقطة الثانية: أن الاثنان ركزا على شخصيات و ليس أحداث.

و هذه تفصيلة مثيرة للإهتمام. نبيل فاروق خلق شخصية أدهم صبري، و هو أقرب ما يكون الى چيمس بوند، باخلاقيات الطبقة الوسطى المصرية في الثمانينات و التسعينات. و في نفس السلسلة، خلق د.نبيل شخصيات أخرى تنتمي الى ثقافات بعيدة. كما قدم الرجل عدد من الشخصيات الأخرى في سلاسله المختلفة. و لا شك، ان تلك الشخصيات أقل عمقاً من شخصيات قُدِمت في أدب عالمي من نفس النوع – مثلاً في أعمال جون لوكاريه. لكن بالرغم من ذلك، الرجل وصل الى هدفه – و قد كان غرْس تلك الشخصيات، و خاصة المصرية منها، في وجدان الجيل الذي كتب له .. الرسالة كان فيها ما يوصف بالتوعية، و هذا نوع فقد بريقه في الثلاثين عاما الماضية. لكن ايضاً بالرغم من ذلك، نبيل فاروق نجح فيما أراد. و بقيت شخصياته الرئيسية في وجدان الجيل الذي خاطب.

حاتم علي ايضاً ركز على شخصيات محددة في تقريباً كل مسلسلاته. و هنا أيضاً يمكن القول ان الغوص في الشخصيات كان محدوداً إذا ما قورن بأعمال تليفزيونية عالمية سردت سير تاريخية. لكن بالرغم من ذلك، وصل حاتم علي الى بغيته، و أوصل الشخصيات التي اختارها الى وجدان ملايين من المشاهدين الذين تابعوا اعماله. فكانت اللمحة التاريخية من خلال شخصيات فهمها المشاهدون (من خلال وجهة نظر حاتم علي)، بأكثر من فهم الحقبة التاريخية التي دارت فيها الأحداث .. و تلك مقاربة مفهومة، و لها احترامها، و ربما أكثر وصولاً الى عقل غالبية الناس.

النقطة الثالثة: هي أثر الرائد.

ربما تكون روايات الجيب التي كتبها نبيل فاروق هي الأكثر مبيعاً من ذلك النوع من الكتابات في العالم العربي في الثلاثين عاماً الماضية. و ربما لا تكون – و تكون قد سبقتها مبيعات روايات أحمد خالد توفيق (و هو الكاتب الأذكى و غالباً الأبقى من بين كل كتاب ذلك النوع من الروايات). لكن نبيل فاروق سيبقى صاحب السبق – الرائد الذي كان له جرأة الخوض في ذلك النوع من الروايات، التي لا شك كان (و أحيانا لا يزال) يُنظر لها باستخفاف. لكن تلك الروايات، على – و ربما بسبب - بساطتها، كانت مجال القراءة الوحيد لملايين من الشباب، خاصة في مجتمع كان و لا يزال قليل القراءة بشكل باعث على الحزن.

حاتم علي كان ايضاً الرائد الأهم في مجاله. و كانت اعماله التاريخية الأولى الباب الذي دخلت منه، في العقدين الماضيين، عشرات المسلسلات عن مشاهد مختلفة من التاريخ العربي. و لعل هناك من يرون في الكثير من تلك المسلسلات التي أنتِجت في تلك الفترة مجرد حكايات، بعضها تبسيط – و أحيانا تزوير- للتاريخ - و ذلك صحيح .. لكن يبقى لحاتم علي فضل السبق في إحداث تجديد كامل في نوع من أنواع الدراما التليفزيونية - و الرجل لا شك ليس مسئولاً عما جاء بعده .. و الأهم أن في عالم عربي، للأسف لا يقرأ الا أقل القليل، فإن الحكاية، إن كانت صادقة و جذابة، تكون دائماً باب معرفة.