دوائر سياسية كثيرة تنتظر رد الفعل للضربة الكبيرة التي لحقت بقدرات نفطية سعودية الأسبوع الماضي. لكن رد الفعل الأمريكي – إن جاء – سيوضح نقاط مختلفة حول نظرة الولايات المتحدة لمصالحها في الشرق الأوسط، و خاصة الخليج.

بالرغم من عقود من الأحداث و التغيرات، فإن عمل الولايات المتحدة في المنطقة بشكل عام كان دائماً قائم على ثلاث نقاط: (١) تأمين وصول النفط إلى الأسواق العالمية بأسعار يعتبرها المشترون الغربيون معقولة، (٢) أمن إسرائيل، و هي قبل و بعد كل شيء، اللاعب الغربي الوحيد في المنطقة، و الدولة ذات التجربة الأقرب للفكر الأمريكي، و (٣) احتواء أي خطر نابع من المنطقة – بما فيه تحركات ديمغرافية او إنسانية كبرى من أن تمثل خطراً على أوروبا.

على هذا الأساس، النفط كان، منذ نهايات الحرب العالمية الثانية، الهدف و الأساس الأول للسياسة الأمريكية في المنطقة. تحتم على ذلك تأمين منابعه و طرق وصوله الى أسواقه الغربية، لأن ذلك التأمين كان، بشكل رئيسي، لمصلحة المتلقي.

لكن اللحظة الحالية يمكن ان تكون بداية لشئ جديد. الاقتصاد الأمريكي، و العالمي، ما زال معتمد بشكل رئيسي على النفط، او carbon-based كما يُسمى. لكن، هناك أنحاء كثيرة من العالم باتت على وشك الوصول الى إمكانية إنتاج طاقة متجددة - بكل فوائدها البيئية – بتكاليف تقترب من تلك للطاقة التقليدية. كما ان الولايات المتحدة بالذات نجحت في إنتاجات كبرى من أنواع جديدة من الطاقة النفطية، مثل النابعة من الصخر، بتكاليف منخفضة. و السؤال الآن، ما تأثير ذلك على أولويات الولايات المتحدة في المنطقة؟

هناك رأي يرى ان التأثير قد بدأ منذ سنوات، و قد وصل فعلاً الى تحول كامل في الاتجاهات الأمريكية في منطقتنا. هذا الرأي يقول ان الولايات المتحدة رأت، منذ عدد من السنوات، نهاية عصر البترول و ان العقد القادم (او أكثر قليلا) سيشهد تحول جذري في دنيا الطاقة. و في هذه الصورة، تتراجع أهمية النفط، و تبقى بشكل رئيسي مخاوف الغرب من الشرق الأوسط، بحجمه السكاني الكبير و المتزايد، و بتيارات فكرية رئيسية فيه يراها الغرب معادية له (و أحيانا يراها على نقيض التطور المجتمعي بشكل عام).

في هذه الصورة، تحجيم الأخطار النابعة من المنطقة قد أصبح الأساس الأول للمصالح الغربية و الأمريكية في الشرق الأوسط. و ذلك يستدعي محاولات لتهميش اهم الصراعات فيه، و تفتيت او تشتيت اهتمام اهم الدول فيه (بالذات تلك القابلة لتصدير مشاكل)، مع الوصول لتفاهمات مع الدول التي يمكنها (من وجهة النظر الغربية، و الأمريكية بالذات) لعب دور في ذلك التحجيم و التي ترى الولايات المتحدة انه يمكن الوصول لصفقات كبرى معها… ذلك التصور يرى أن إيران اهم مثال لذلك النوع الأخير. و لعله مهم هنا التذكير بالإهتمام الكبير الذي تابعت به الولايات المتحدة – و خاصة البنتاجون – دور إيران الرئيسي في مكافحة الجماعات الإرهابية في العراق.

من هذا المنظور، فإن إيران هي الهدف - ليس للتدمير، و لكن للتغيير…أيضاً من هذا المنظور، فإن كل دول الخليج تقريباً، اما مراكز ثروة يمكن الحصول على الكثير منها من خلال بيع سلاح و تكنولوجيات مختلفة، او انها محطات و وسائل في التحول الذي يجري فعله لنوعية العلاقة مع إيران.

بالطبع هناك رأي يرفض ما سبق. في ذلك الرأي الأخر، فإن أولويات الولايات المتحدة ستتغير مع انتهاء عصر البترول…لكن ضرورة المحافظة على العلاقات الأمريكية الخاصة بدول الخليج، بما فيها الحماية العسكرية، ستستمر بعد انتهاء ذلك العصر. هذا الرأي يستند على أن تغيير إيران، سواءاً بتفاهمات مع النظام فيها، او خطط أمريكية لإسقاطه، غير قابل للنجاح. و من ثم، فإن هذا الرأي يرى في إيران عدو مستمر للولايات المتحدة في كل المستقبل المنظور. هذا الرأي يستند أيضاً إلى أن الشرق الأوسط و خاصة الخليج، جغرافياً، حلقة مهمة في الجوار الروسي و (و روسيا على حدود إيران). أضِف الى ذلك ان الخليج، و أنحاء من المشرق العربي، لهم حضور واضح في ديمغرافيا و حركات المال الكبرى في آسيا (و هي الهدف الاستراتيجي الأساسي للصين). و عليه، فإن التموضع و الحماية الأمريكية في المنطقة سيستمران، و إن كان لأسباب أخرى.

كالعادة في دنيا الاستراتيجيات الكبرى (الgrand strategy)، الحقيقة تكون مزيج من رؤى و سيناريوهات مختلفة. لكن المهم في تلك اللحظة ان نوع و حجم رد الفعل الأمريكي على الهجوم على النفط السعودي، سيُشير، و لو من بعيد، الى أفكار الولايات المتحدة عن تطور مصالحها و أولوياتها في المنطقة.