مارك سيدول، مستشار الأمن القومي البريطاني، مسئول عن تقرير الإستراتيجية البريطانية العليا، الذي سيصدر هذا العام، ٢٠٢٠.

حتى نهايات فبراير، تصور الرجل انه يواجه ثلاثة أسئلة: واحد: كيف يمكن لبريطانيا الهروب من مشكلة إختلاف الطرق بين الولايات المتحدة و أوروبا؟ أثنين: كيف يمكن التفكير بجدية في دور عالمي لبريطانيا بينما قدرات و نفوذ البلد في تراجع ؟ و ثلاثة: كيف يمكن تقديم أفكار جدية عن الاستراتيجية العليا في زمن تزايدت فيه ضرورات اتخاذ قرارات سريعة و غالباً تحت ضوء إعلام و شبكات تواصل اجتماعي لا تتوقف.

لكن فجأة، تغيرت الأوضاع … وباء فيروسي يجتاح العالم، يغير كل الأولويات، يضع ضغوطات كبرى على البنية التحتية و الخدمية البريطانية، و يجعل أفكار كبرى عكف فريقه على دراستها لأسابيع تبدو و كأنها عديمة الأهمية امام مجتمع يمر بأصعب أزمة صحية، و من ثم إجتماعية، على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية.

الحل السهل هو تأخير تقديم الاستراتيجية العليا، و لا شك ان المؤسسات الرئيسية في بريطانيا ستتفهم، بل و ان بعضها قد يبارك ذلك. لكن، في المقابل، هناك عدد من المقربين لدوائر صنع القرار في رقم ١٠ داوننغ ستريت (مقر رئاسة الوزارة البريطانية) يريد ادخال سيناريو الوباء العالمي داخل الاستراتيجية …و في النهاية، فإن ذلك الوباء حقيقة تواجه صناع القرار البريطاني، بينما كل الأفكار الأخرى مجرد تقديرات و احتمالات. كما أن التأخير سيُظهر الفريق على انه لم يستطع أن يقدم أفكار في لحظة في غاية الأهمية للأمن المجتمعي.

لكن ادخال هذا الوباء داخل الاستراتيجية يعني تحليل أسبابه، طرق التعامل معه تحت سيناريوهات مختلفة، عواقبه المحتملة، و غيرها من النقاط .. و كل ذلك، في إطار جيو-استراتيجي و سياسي، و ليس فقط في إطار الصحة العامة. و بلا شك هناك محاذير في فتح هذه الموضوعات الآن، خاصة و أن الكثير من المعلومات، حتى امام هيئة الأمن القومي، ما زالت في طور التدقيق.

الحل الظاهر هو تأخير الاستراتيجية، او جزء هام منها، لكن تشكيل فريق عمل لمساعدة رقم ١٠ داوننغ ستريت في التفكير في كيف يمكن ان تتطور هذه الأزمة، و في نفس الوقت العمل على إبقاء أفكار هذا الفريق بعيدة عن الأضواء لكي يمكنه وضع أفكار خلاقة و جريئة بدون القلق من ارباك المجتمع او زيادة الخوف. المشكلة ان ذلك كلام نظرياً سهل، لكن واقعيًا صعب، في بلد تتمتع الصحافة فيه غالباً بأقصى درجات الحرية في العالم و بالقدرة على الوصول الى داخل المجموعات الضيقة لصنع القرار.

ثم أن القدرة على تقديم أفكار ذات فائدة يعني فهم الكثير عن تفشي الأوبئة، سيكولوجيات الجماهير (و هو علم فيه الكثير من الدراسات)، بالإضافة الى القدرة على توقع كيف يمكن ان تتصرف مجموعات خارج مجتمعك، مثلاً حكومات دول أوروبية مصدرة لمواد غذائية مهمة، او شركات نقل عملاقة تتولى أساطيلها توريد أدوية، او نقابات عمالية (سواء داخل البلد او خارجها) لديها اهداف و عليها ضغوطات، قد تتخذ خطوات تؤثر مباشرة في الوضع داخل بريطانيا. كل ذلك يعني ان تقديم أفكار جادة ذات فائدة في هذه اللحظة يتطلب توسيع دائرة عمل هيئة الأمن القومي، و وضع ثقل مختلف لزوايا او رؤى ليست تقليدية داخل عملية صنع القرار.

كل ذلك جديد او على الأقل ليس معتادًا داخل عمل مجموعات مسئولة عن تقديم أفكار و تقارير جيو-استراتيجية او متعلقة بالإقتصاد السياسي العالمي. لكن هذه المجموعات لا تستطيع الابتعاد عن دورها الرئيسي في مساعدة صناع القرار، كما انها الآن لا تملك رفاهية الوقت، و كل ذلك يأتي ليُغير أُطر و أفكار و سيناريوهات أخذت اشهر كثيرة من العمل و التحضير.

و لعل واحد من ما يأتي به هذا الفيروس الآن، هو انه يعطينا فرصة متابعة كيف تعمل هيئات مهمة و تواكب تطور موقف جديد و صعب و فيه الكثير مما هو مجهول.