في العامين الماضيين ، مع مرور أربعين عامًا على الثورة في ايران ، التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي ، و مع الإفراج عن جزء كبير من الوثائق و منها تقديرات من أهم مكاتب التحليل في المنظومة الأمنية في الولايات المتحدة ، خرج عدد من التفسيرات حول سؤال كثيرًا ما حيّر مراقبين – و هو كيف فشلت المخابرات الأميركية في توقع سقوط الشاه ؟

السؤال محير لأن الولايات المتحدة كانت طيلة السبعينات شديدة التوغل في ايران ، سواء في اعلى مستويات السلطة القريبة من الشاه او داخل اهم مؤسسات الدولة ، الى درجة أن السفير الأمريكي في طهران وقت قيام الثورة كان قد قال ، شهور قبل الثورة ، “ان السافاك (جهاز مخابرات ايران في عهد الشاه) في أيدينا “ .

السؤال ايضًا مهم ، ليس فقط لدارسي التاريخ و لكن لأن ذلك الفشل ينظر اليه على انه الأهم في كل تاريخ عمل الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الأوسط . و ذلك لأن الثورة الإيرانية و قيام نظام الجمهورية الإسلامية هناك ، كان التغير الأكبر على الساحة الاستراتيجية في كل المنطقة في الخمسين عامًا الماضية .

الملفت ان فكرة الثورة في ايران لم تكن غريبة عن مكاتب التقديرات الأمريكية . مثلًا هناك تقرير صدر في أغسطس ١٩٧٨ – أي شهور قليلة قبل الثورة – ينتهي ، بالحرف ، الى أن ايران ليست في حالة ثورية او حتى ما قبل ثورية .

تفسير التاريخ بعد حدوثه ، خاصة بعد مرور عقود ، سهل . لأن ذلك يتيح لأي قارئ جيد للتاريخ ربط احداث و وضع صلات قليلون من ربطوها او تصوروها قبل وقوع الأحداث . بالرغم من ذلك ، فلعل بعض ما كتب في الفترة القصيرة الماضية ، خاصة منذ الإفراج عن عدد من الوثائق ، مهم – خاصة و ان ما فيه من أفكار قابل للتطبيق على حالات مختلفة .

هناك رأي اكاديمي ، و لكن أتيح لصاحبه الإطلاع رسميًا على كل أوراق وكالة المخابرات المركزية حول ايران ، يرى ان لُب المشكلة كان في ان كل التقارير حول ايران في تلك الفترة ، بما فيها ما ذهب الى البيت الأبيض ، كانت تلخيصات ممتازة لحجم رهيب من المعلومات المجمعة من و حول ايران ، و لكن التقارير لم تحتوي على افتراضات جديدة ، و لا على سيناريوهات قد تترابط .

نفس الرأي يرى ان مكاتب التقديرات داخل وكالة المخابرات المركزية ركزت على ما رأته أمريكا وقتها خطر ، و هو احتمالات التهديد السوفيتي لإيران و هل هناك تغلل للمخابرات السوڤيتية داخل الجيش الايرانى ، و ليس أي تهديد لنظام الشاه من مجموعات يسارية او دينية ( و تلك التي كانت في طليعة الثورة ) .

هناك رأي أخر من رجل أصبح بعد الثورة الإيرانية – في عهد الرئيس ريجان – من أهم مفكري وكالة المخابرات المركزية و لكنه كان قبل ذلك في مجال المال و الاعمال – يقول أن الخطأ الأكبر في ذلك الملف كان في تصور ان أمريكا فهمت ايران تمامًا ، بينما ان المشكلة كانت في مكونات الفهم و في درجات التركيز .. و المقصود هنا نقطتين .. الأولى ، ان حجم الوجود الأمريكي في ايران وقت الشاه – و قد كان كبيرًا و لكنه متمركز في قمة المجتمع – جعل التقديرات القادمة من ايران ، من هؤلاء الذين كانوا يدورون في أروقة القصر و الحكومة و أعلى البرجوازية الإيرانية وقتها – تأخذ أولوية على أية تقديرات قد يخرج بها مراقب أمريكي بعيد عن طهران ، مثلًا يدرس في جامعة او يكتب في مركز أبحاث . و النتيجة هنا أن أهم مصادر التقديرات كانت داخل الصورة بأكثر مما هو مطلوب .

النقطة الثانية ان أمريكا – سواء وقتها او قبلها او بعدها – امبراطورية ، و هناك الكثير من الموضوعات التي تتنافس على وقت و تركيز مراكز القرار ، و هي في أغلب الأحوال دوائر صغيرة (مثل مجلس الأمن القومي الأمريكي ) او مكتب الرئيس – و ذلك يجعل هناك استسهال ، او القفز الى النتائج التي يعرفها و تعود عليها أصحاب القرار - و هنا تضيع التقديرات المختلفة الصعبة ، تلك التي تتطلب تفكير جديد و تصورات غير معتادة – لانه ليس هناك وقت ، و الأهم ليس هناك تركيز .

هناك تفسيرات أخرى ، داخلة في تفاصيل الفشل في تقدير الأوضاع في ايران في نهايات السبعينات . لكن المثير للاهتمام هو التفكير : هل تغيرت ديناميكيات العمل و أساليب الوصول الى التقديرات التي تدخل في صنع القرارات ؟