رئيس مالي اتهم فرنسا في الأمم المتحدة بالتخلي عن بلاده و عن منطقة الساحل (في غرب افريقيا) . الرئيس الفرنسي رد بطعن في شرعية النظام في مالي ، و بأن فرنسا لا تستطيع ان تقوم بما لا يقوم به النظام المالي .. بالنسبة لأغلب الناس في العالم العربي ، هذا أمر بعيد عن اهتمامتنا و مصالحنا .. و ذلك غير صحيح .. الموضوع يهمنا ، من ثلاث جهات:

واحد : أساس المشكلة ، و هو التهديد الأمني و السياسي الذي تشكله جماعات مسلحة تستخدم إسم الإسلام في محاولة للسيطرة على منطقة الساحل . هناك تزايد في وجود تلك الجماعات باستثناء المناطق التي سيطر عليها الجيش الفرنسي ، و الذي ذهب هناك نظرًا لاهتمام فرنسا الشديد بتلك المنطقة التي كانت فيها حتى عقود قريبة القوة صاحبة النفوذ الحاسم على الأرض .. وجود و قوة الجماعات المسلحة لا يقتصر على العمل العسكري ، و لكن هناك ازدياد في التواصل بين تلك الجماعات و قبائل ذات وزن في المنطقة . و الظاهر ان بعض القبائل على استعداد لغض النظر عن نشاط تلك الجماعات ، بل و أحيانًا المساعدة اللوجستية لتسهيل وصول عتاد و سلاح لتلك الجماعات في مقابل تقاسم نفوذ في المناطق التي تأخذها الجماعات من الدولة . و المقلق ان وجود تلك الجماعات أخذ في التمدد بما في ذلك خارج مالي ناحية المنطقة التي يلتقي فيها الغرب الأفريقي مع الصحراء ، و هناك توجد جماعات مسلحة أخرى ، ايضًا تستخدم إسم الإسلام في صراعات على نفوذ و مصالح . و الحاصل من كل ذلك ان قلب المشكلة متعلق بالأمن و سيطرة الدولة على أراضيها ، ليس فقط في مالي و لكن على طول الإطار الجنوبي لدول شمال افريقيا ، و هنا بالنسبة لنا مربط الفرس .

اثنين : هناك نوع جديد من صراع النفوذ الغربي بدأ يظهر في الساحل ، كما في أجزاء من شمال افريقيا ، و هو مثير للاهتمام .. مع ضعف بعض أنظمة دول الساحل و تراجعها امام تلك المجموعات المسلحة بدأت الأنظمة في الاعتماد على شركات مرتزقة تحارب تلك الجماعات نيابة عنها . تلك الظاهرة ليست جديدة ، إذ ان عدد من الشركات ذات الأصول الجنوب افريقية لعبت تلك اللعبة في وسط افريقيا لعقود . لكن في حالة شركات جنوب افريقيا ، لم تكن هناك صلات بالدولة الأم . كانت شركات المرتزقة تلك خاصة و اغلبها من ضباط سُرِحوا بعد انتهاء نظام الابارتايد هناك . الجديد الذي يحدث الآن في الساحل ان هناك شركات ذات أصول غربية تلعب نفس دور المرتزقة ، و لكن بتنظيم اكبر و كفاءة أعلى ، و في مقابل ليس فقط مادي و لكن ايضًا سياسي ، أي مقابل الحصول على مزايا على الأرض و حول مصالح في دول الساحل . و الواضح ان علاقة تلك الشركات بدولها الأم أكثر قوة من حالة شركات جنوب افريقيا . الموضوع اذن ليس مجرد شركات مرتزقة تعمل من أجل المال ، بل إطار جديد من عمل دول في تلك المنطقة من افريقيا . و هنا مربط فرس أخر ، إذ ان الوجود الدولي المتزايد و الغير مباشرعلى الحدود الجنوبية لعدد من الدول العربية له تأثيراته سياسيًا و امنيا و اقتصاديًا .

ثلاثة : ملف علاقة فرنسا بالذات بالعالم العربي معقد ، لأن فيه الكثير من المشاكل كما فيه عدد من الفرص . و ذلك الملف أحيانا يدخل في تعقيدات كبيرة كما هو الحال الآن نتيجة صراع سرديات بين دوائر في فرنسا و الجزائر ، و أحيانا يستفيد من دور فعال و مطلوب تلعبه فرنسا في مشاكل معينة متعلقة بالعالم العربي . لكن النقطة الأوسع تتعلق بكون فرنسا أكثر دول الاتحاد الأوروبي اهتمامًا بالعالم العربي و تأثيرًا في سياسات الاتحاد حوله . على ذلك ، فإن مشاكل فرنسا او الفرص التي تسعى وراءها على حدود العالم العربي مهمة لنا ، لأن تلك المشاكل و الفرص مرتبطة في الحساب الفرنسي بعلاقات و تواجد فرنسا السياسي في عالمنا العربي .

لذلك فإن موضوع فرنسا و الساحل قد يبدو بعيد ، و لكنه قريب ، و يستدعي اهتمام المتابع العربي به .